القدس وحرب المصطلح والهوية..

عبد الحميد جماهري

تلتقي يومه الثلاثاء وزارة الشباب والثقافة والاتصال وكالة بيت مال القدس، حول مبادرة جيدة عنوانها البارز هو دور الإعلام في دعم الهوية الحضارية للقدس الشريف، وهي ندوة تعقد على هامش اجتماعات مجلس وزراء الإعلام العرب، الذي تحتضنه بلادنا غدا الأربعاء 21 يونيو، وما يؤسس مقاربة من هذا النوع، هو أن الإعلام غالبا ما يكون الحاضن للصراع أو هو صلب المعركة أو مصفوفتها كما يقول أهل الرياضيات..
في كل القضايا الدولية، يمكن لحرب المصطلحات أن تأخذ الطابع السجالي الأكثر حدة، بدون أن يكون لها وقع مباشر على الوجود الخاص بشعوبها، إلا في القضية الفلسطينية فإن حرب المصطلحات قد تخفي في جبهاتها معتقلات وحرب إبادة، كما تعني تطويعا للتاريخ على نسيان حقيقته…
خلف المصطلح وخلف الاسم وخلف الكلمة يقف شعب من أقدم شعوب الأرض، ولكن الحرب الإسرائيلية في القاموس اليميني المتطرف تريده شعبا طارئا على حريته وأرضه وعلى ملاحِمهِ وعلى ‫…‬مآسيها نفسها‫.‬
وهو ما بدا واضحا وفي مارس من هذه السنة من خلال تصريحات وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش الذي قال «لا يوجد فلسطينيون لأنه لا يوجد شعب فلسطيني»….
هنا في لحظة إعلامية، يحدث أمامنا فصل من هذه الحرب، كما لاحت من خلال تصريحات وزير إسرائيلي اعتبر أن الشعب الفلسطيني اختراع حديث العهد‫!‬
ولعل المطلوب اليوم، علاوة على الإصرار التاريخي على حقيقة لا يمكن الزج بها في ضباب المرحلة، هو الدخول فعليا في التجاوب مع نداء سبق أن رسم أفقه المدير المكلف بتسيير وكالة بيت مال القدس الشريف محمد سالم الشرقاوي( وهو أحد المشرفين إلى جانب الوزير بن سعيد على ندوة اليوم ) الذي ألح «على ضرورة صياغة وثيقة مرجعية بشأن المصطلحات الإعلامية للقضية الفلسطينية»، داعيا إلى «تشكيل لجنة لصياغة هذه الوثيقة وتقديمها إلى المؤتمر الإسلامي لوزراء الإعلام لاعتمادها وتعميمها على وسائل الإعلام في الدول الأعضاء..».
وهي مناسبة كي يتم ضبط هدفها مع اجتماع الوزراء العرب في الإعلام، ولم لا الخروج بوثيقة من هذا القبيل عن المجلس العربي…
ويحسن بالعرب والمسلمين وكل محبي السلام، بمن فيهم الإسرائيليون الذين يحلمون بتعايش دولتين مستقلتين لشعبين سياديين، أن يوسعوا من درجة معرفة المصطلح الذي جاءت به هذه الدعوة، في لحظة قوية من صراع المصطلحات.
نحن نتابع بالفعل ما يتفاعل على ضوء أخذ اليمين المتطرف للكلمة والحديث في سياق السياسة الشرق أوسطية، ويحسن بنا أن يصل صدى ما يفكر فيه الفلسطينيون ومن يساندهم في كل جهات العالم..
هناك شعور قوي بـ»حجم التحدي الذي ينطوي عليه عدم التحكم في موضوع المصطلحات الإعلامية وما يمثله من مخاطر على التصور الصحيح لحقيقة القضية الفلسطينية»…
ونحن نتبع ردود الفعل القوية داخل فلسطين ومن كل فصائلها ومن داخل الدائرة العربية الإسلامية على تصريح يريد به الوزير اليميني نفي الحقيقة الفلسطينية الصامدة .
ولكن يحدث أن تغيب عيننا الراصدة عن المتابعة المثابرة..
قد يقول آخرون مستنكرين: وما جدوى معركة المصطلح الإعلامي إذا كانت مجرد رديف بلاغي لحرب أكثر شراسة ودموية هي حرب الدبابات؟
والحق بأن الشعور القويم يفرض علينا أن نقر بأن سوء تسمية الوجود والكيان والأرض يزيد من بؤس العالم، كما قد يجعل خطاب الاحتلال يربح مناطق في الوعي العالمي، وعلى ساحة القاموس الدولي.
حرب المصطلح، كما يجدر بنا الدخول فيها، تهم صانع الحدث نفسه ونقصد به الشعب الفلسطيني، فكلما وحد مصطلحه وحد الشعور بالانتماء إلى رواية سياسية واحدة، هي سنده في الصمود.. بما أنه يصنع حقلا دلاليا يرافع عن القضية من قلب لغتها.
وبهذا المعنى يمكن الاستشهاد بما قاله مدير إدارة الإعلام والتواصل المؤسسي في منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو» سامي القمحاوي حول طريقة التناول الإعلامي للقضية الفلسطينية؛ أي أن «تسمية الأشياء بمسمياتها أفضل وسيلة للتعبير عن الحقائق الراسخة، وهو ما نحتاج إليه عند تناولنا للقضية الفلسطيني».
والحفاظ على القاموس التحرري الوطني هو في عمقه ركيزة لبقاء مضمون التحرر الوطني للقضية في الوعي العام، والحفاظ على المسميات الناظمة للقضية « في صدارة المشهدين السياسي والإعلامي، وتشكيل الوعي الجماعي بالرواية الفلسطينية عن حقيقة ما يواجهه الشعب الفلسطيني من عدوان على أرضه ومقدساته»….
وما من شك في أن ترويج مصطلحات ورواية إسرائيلية مزيفة تنكر وجود الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة ليست ضربة مزاج بقدر ما هي مسعى لا يقوض السلام فقط بل يتطلع إلى تقويض الوجود العام للشعب من خلال تحريف قاموس هذا الوجود نفسه…
كما أنه مجهود فاشي ينحو نحو تقويض قاعدة الحل الدولي المتوافق عليه بشكل واسع عميق، من خلال حل الدولتين الذي يضمن حلا نهائيا للقضية الفلسطينية في إطار احترام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته على حدود يونيو1967، وعاصمتها القدس الشرقية، كما تنص على ذلك الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية وقرارات مجلس الأمن.. كثيرون ولا شك عادت بهم الذاكرة وهم يقرأون تصريحات الوزير الإسرائيلي، إلى كتاب آخر للإسرائيلي شلومو ساند، وهو كتاب عن مشروعه لتفكيك الجوانب الأسطورية والمميتة في تسويغ الاحتلال الإسرائيلي بقراءة تمزج بين تقفي الأبعاد الرمزية والسياسية والثقافية إلخ.. وما يعلق بالذاكرة هو السعي إلى قراءات تريد أن تجعل وحدة الشعب اليهودي قائمة على «خطأ مشترك» يوحدها بدوره في عداء جماعي ضد الجيران، وهم هنا الشعب الفلسطيني الطامح إلى استقلال دولته وكيانه..
والمغرب الإعلامي يجب أن يكون صورة للمغرب رسميا وشعبيا، ولموقفه المنسجم مع هويته الكفاحية، لأنه، اختار موقعه منذ كانت القضية الفلسطينية ثم منذ كانت قضية القدس في عمق المواجهة، بالنار أو بالتفاوض. وهو جزء من تاريخ الغضب، منذ قمة منظمة المؤتمر الإسلامي، التعاون الإسلامي حاليا، في 1969 .
والمغرب أيضا جزء من الغضب الفلسطيني، العربي الإسلامي الإنساني، كما أعربت عنه الكثير من الأصوات بمن فيها الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريس، وأعرب عنه البابا وأعربت عنه شعوب كثيرة، ونحن في الإعلام، علينا أن نكون على وعي بأن القدس… عروس عربَيَّتنا !

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 20/06/2023