القضية الحقوقية كأداة جيوسياسية…؟

عبد الحميد جماهري

تحاول الأوساط الانفصالية، ومسانديها في الساحة الأمريكية، ومن يقف وراءهم وإلى جانبهم، من أنصار الأطروحات المصيرية البائدة، الجمع بين قرار اعتراف الأمريكي ترامب بسيادة المغرب على صحرائه، وبين تراجع ما يسمونه بحقوق الإنسان.
وهو تاكتيك لا يمكن إغفاله بالنسبة للمغاربة المدافعين عن حقهم.
وتحاول المنصات الانفصالية ومسانديها، إقناع الرأي العام، الدولي والإفريقي على وجه الأخص، بأن »إعلان ترامب أدى إلى أعمال قمع. «
هذا الربط ليس عفويا، ولا إعلاميا محضا، بل هو محاولة اختراق للأوساط الديموقراطية،لا سيما اليسارية فيها، لأجل الضغط ورفع الضغط على بايدن، من أجل ما يريدونه من تعطيل للقرار المذكور…
وهو ما يفسر العودة إلى الورقة الحقوقية من جديد، بالضغط على المغرب من البوابة الديموقراطية، نسبة إلى الحزب الديموقراطي…
فقد نقلت المنابر الانفصالية ادعاءات متكررة…من قبيل أنه »عقب إعلان ترامب – ويقصدون به الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه – تمت محاصرة كل منازل النشطاء الصحراويين ووضعها تحت المراقبة «….
والورقة الحقوقية بهذا التشفير، لمسناها في قضية المواطنة سلطانة خيا، واستقبالها من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالجهة، والسعار الذي أصاب المد الانفصالي جراء ذلك، مما أدى بها إلى تسفيه نفسها بادعائها نفي ما هو مثبت بالصورة والصوت…
الاندفاعة الحقوقية بالمغرب المستهدفة من أطراف عديدة ، كانت لها آثار في القرارات وفي تقارير الأمين العام للأمم المتحدة، وفي اعتماد المؤسسات الجهوية في التقرير في تقدير الوضع الحقوقي، ونذكر هنا تفاصيل التحول الإيجابي في القضية الحقوقية، من خلال الإشادات، سواء من لدن الأمين العام انطونيو غوتيريس أو من خلال قرارات مجلس الأمن، وآخر تقرير وآخر قرار يقران بهذه الحقيقة.
إذ أشاد مجلس الأمن الدولي، في قراره الأخير حول القضية الوطنية، بدور »اللجنتين الجهويتين للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالعيون والداخلة، وكذا تفاعل المغرب مع آليات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة«.
ورحب مجلس الأمن، في قراره رقم 2548 ب»التدابير والمبادرات المتخذة من قبل المغرب»، وبالدور الذي تقوم به اللجنتان الجهويتان للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالعيون والداخلة، وكذا تفاعل المغرب مع آليات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وفي المقابل صارت الجبهة الانفصالية في مرمى أصابع الاتهام، في التقرير ذاته أو من خلال الوثائق التي توصلت بها المفوضية السامية لحقوق الإنسان عن الوضع في تندوف…
وفي تقريره، استعرض الأمين العام اعتداءات « البوليساريو» بشكل مكثف وعلى أوسع نطاق «على مدونين وأطباء وممرضات وتوقيفهم وإساءة معاملتهم» بمخيمات تندوف.
وفي الواقع هذا التاكتيك الذي يروم تسليط الضوء على الورقة الحقوقية، يبدو أن أهدافه، إلى جانب تغليط الرأي العام الأمريكي واستدراج فريق بايدن إلى مناوءة المغرب، من خلال التلويح بقرار دونالد ترامب، ذو مرام دفاعية وهجومية في الوقت ذاته: الهجوم على المغرب، والدفاع عن الانفصاليين وعن الدولة التي تمدهم بشروط ترابية وأمنية وعسكرية لممارسة الانتهاكات الجسيمة. …
ومتابعة القصاصات الأخيرة لدى وكالة الجزائر الرسمية، تجد التركيز ، على كل خبر، مع إضافة توابل التزييف والحقد، له علاقة بحقوق الإنسان، أو ما نعرفه هنا في بلادنا من قضايا، متفاوتة الدلالة.
ولا ينافس أخبار الحقوق المغربية، سوى أخبار الحروب الكاسحة التي تقودها القوة العظمى للبوليزاريو ضدنا !
في الجانب الآخر من المشهد، هنا في الداخل توجد حركية ودينامية، متفاوتة الصدى، بهذا الخصوص..ففي المشهد تجتمع الحالات الفردية والحالات الجماعية، في حشو لا مسوغ له، حقيقة ، من حيث ترتيب القضايا وطبيعتها ونوعيتها..
لكن تتفاوت، حتى لدى الحقوقيين أنفسهم درجة التعاطي مع كل ملف على حدة..ولا أحد يقارن ما يحدث بما حدث…
ويبدو أن مجهودا وطنيا في تدبير هذه الملفات أصبح ضرورة، وزاوية معالجته، من باب تكريس وتقوية الشرعية الحقوقية للبلاد، هي المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والآليات الرسمية الأخرى…
والمقصود من وراء هذا ليس سوى تقوية الحضور المغربي أكثر، بتقوية دولة الحق والقانون ومؤشرات القياس الدولية في هذا الباب..
وفي هذا الباب، يحسن بنا أن نذكر بأن كل الذين تابعوا الزيارة الملكية الأولى إلى واشنطن، أيام حكم باراك اوباما، يعرفون بحكم التداول وبحكم القرب، بأن الأجواء بين البلدين كانت صعبة في بدايتها، عندما كان فريق الرئيس قد هيأ مشروعا للبيان العام، أولى فقراته كانت تخص الموضوع الحقوقي، حصريا ومن زاوية ضيقة…
وليس الموضوع بحد ذاته هو المعضلة بالنسبة لبلد كانت تسير نحو حقوقها بحقوقية الكبار(رحم الله ادريس بنزكري وعبد الرحمان اليوسفي ومحمد الحلوي …) منذ زمن طويل، بل إن ربط ذلك بالقضية الوطنية، وبتبعاته على مهام المينورسو ، كان هو الأصعب في المعادلة..
ولم تعد الابتسامة إلى الوفد المغربي إلا بعد أن طرحت الأمور في سياق واسع، لا يرى المغرب ضررا في طرحه..وطبعا، انتصرت الزيارة وانتصر المشترك المغربي الأمريكي، وربما منذ ذلك الوقت وقرار الاعتراف يطبخ على نار هادئة….
من الصعب القول بأن الوضع يشبه ما كان عليه في ولاية أوباما الأولى، لكن كون فريقه، في جزء كبير منه، هو نفسه الذي عاد مع جون بادين، لا يمكن الجزم بأنه وضع كل المعتقدات في الرف أو في حقيبة الجدة المدسوسة في الركن البعيد…
بيد المغرب تجربة حقوقية فريدة في العالم، والواقع لا يمكن تسويده، مهما بلغت حدة ملفاته الراهنة، المحكومة بسياقات مغايرة تماما عن السياقات التي يريدها الخصم، بالجوار القريب أو بالجوار البعيد.. ولا يمكن ترك هذه الورقة الرابحة رهن المسلكيات الرسمية لوحدها، وقد تخطينا بها عتبات مجلس الأمن والأمم المتحدة..
فالقضية الحقوقية اليوم قناعة رسمية وقناعة شعبية، وفي عمقهما وتلاقيهما إرادة ملكية…، وغير بعيد عن القناعات الذاتية، لا يخفى أن القضية الحقوقية «أداة جيوسياسية« في عالم اليوم،حقا أو باطلا، وأحيانا تسير الأمور نحو
اللامعنى، عندما نذكر أن روسيا والصين وكوبا وغيرها من الدول التي لا تقدم نموذجا حقوقيا بالمعنى المتعارف عليه دوليا، كانت قد دخلت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أكتوبر 2020…!
لكن، – لأن هناك لكن دوما -، فمهما كانت البراغماتية في السلوك الدولي فإننا لا نعدم تأثيرا ما ليوطوبيا الطرح الحقوقاني .
ومطروح على بلادنا أن تعمل بكل الأوراق الرابحة، في تجربتها لطي صفحة الماضي أو في دسترة الحقوق ، كما هي متعارف عليها دوليا أو في الالتزام العملي الصريح بقيم الحقوق الإنسانية… إلخ، لتفكيك الرابط الوهمي، الذي تسعى أوساط في الجوار وفي واشنطن، إلى ترسيمه، بين اعتراف الولايات المتحدة بعدالة قضيتنا وسيادتنا، وبين التهويل الحقوقي.. بيد الخصوم!
يجب ألا ننسى، أن الدولة الجارة، أفلحت في الماضي في إقناع الكثير من الدول، بما هو أفدح من انتهاك الحقوق لبعض الأفراد أو الجماعات، أقنعتهم بوجود دولة وشعب وتراب …مهما كان ذلك وهميا!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 23/02/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *