القضية فيها.. «فقط»!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
لم يكن لكلمة «فَقَطْ» ما لها اليوم من معنى محدِّد في التَّموقع السياسي بما يفوق الترتيب اللغوي المعتاد، كما هو الحال اليوم!
كلمة «فقط» في مواقع القمح والخبز في المغرب، لم تعد هينة، حيث أنها تحدد الموقع، أغلبية أو معارضة، بدون وعي من صاحبها، إن هو نطقها أو هو أغفلها وتناساها!
عندما تكون ناطقا رسميا باسم الحكومة فإنك تبدو منتشيا وأنت تعلن «أن المغرب لديه مخزون من القمح يكفي لمدة أربعة أشهر»، وهذا معناه أنك تقول ضمنيا بأن رُبُع السنة من الخبز مضمون في سياق دولي قد لا تضمن فيه الدول كسرة يومها، في الوقت الذي تميل فيه المعارضة، ونحن منها، إلى «تفقيط» المعلومة (من فقَّط الحسابَ: ختمه بكلمة (فقط) حتى لا يُزاد عليه)!
وهكذا يعنون المعارضون، بالرغم من الحكومة وأنفها، بـ «أن المغرب لديه مخزون من القمح يكفي لمدة أربعة أشهر… فقط»!
فتنهار الطمأنينة الحكومية المبالغ فيها! وتدخل البلاد إلى منطقة التخمين والشك والانتظار القاسي.. وتوقع ما بعد نهاية شهر الصيف وما تبقى من فصل الربيع، وقدوم الخريف وما تقتضيه من أمن غذائي…
وفي حين تكون الإرادة السياسية الواضحة لدى الحكومة منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، وما تلاها من تقلبات مفزعة تبعث على الجوع، في السوق الغذائية الدولية.. تَرْك العبارة مفتوحة للمزيد من الطمأنينة، وسعيا نحو الإقناع!
فعلت ذلك، من قبل، في قضية المخزون الاستراتيجي من المحروقات.. ولم تذهب أبعد من ذلك الاطمئنان المبجل والمزيد من التشديد على أن المخزون كافٍ، وأن إسقاط كلمة «فقط» من الجملة الخبرية الحاملة للمعلومة السياسية والاقتصادية، مقدمة للسعى لمواصلة دعم هذه المادة الاستهلاكية لتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين!
وبحسب الحكومة «فقط»، فإن المغرب بذل «مجهودا كبيرا في دعم هذه المادة ولضمان وفرة القمح، خاصة القمح اللين الذي ينتج منه الدقيق».
وفي هذا الحرص على ترقيم كل تصريح بالكلفة وما يتطلبه ذلك من الخزينة الوطنية،لا يقدم الحكوميون توصيفا دقيقا لما يجري في سوق الحبوب وانعكاسه المباشر علينا.
نحن نعرف أن الحكومة تكرر بقناعة «أنها تتوفر على مجموعة من الآليات لتجديد المخزون الوطني من القمح وتعزيزه في شتى المراحل، في ظل الارتفاع الذي تشهده أسعار هذه المادة في الأسواق العالمية…
لكن المعلومة ناقصة بالأساس، ولا ندري طبيعة الآليات المعتمدة ولا تأثيرها ولا أفضليتها في مواجهة التقلبات المهولة. في حين يمكن اليوم إنها تقدم هذه المعطيات من باب الحق في المعلومة للمغاربة، وليست فقط كتمرين سياسي إعلامي لكل يوم خميس..يقف عند فقط!
لا سيما أن وزراء آخرين في الحكومة، عندما يريدون الدفاع عن صعوبة المرحلة ودقتها يتوقعون تطور الأسواق، ويعلنون صراحة ألا أحد يملك تصورا واضحا عما سيكون عليه المستقبل، ولا ما قد يتناسل من الوضعية في العالم.
ولكن الحكومة ذاتها توحي بشعور مغاير عندما يتعلق الأمر »فقط« بالحبوب والخبز وتتحدث كمن يملك الوصفة السحرية في مواجهة الوضعية..
ارتفاع سعر القمح واقع قائم ولا أحد يمكن أن ينكره، ولو حذفت الحكومة كل «فقطات» اللغة العربية.. والمتابعون، لا يخفون «تعثر الحكومة في إيجاد أسواق بديلة لتأمين الحاجه من القمح بجميع أنواعه»، والمتابعون، بدون موقف محدد من «فقط»، يدرجون في حسابات الغلاء والمائدة اليومية «تأثير المعطيات المرتبطة بضعف الإنتاج المحلي بسبب أزمة الجفاف وقلة الإمدادات العالمية من القمح».
في الأمم المتحدة دار نقاش حديثا حول انعدام الأمن الغذائي، وكان هناك إجماع حول الخاتمة المتوقعة في هذا المسلسل الغذائي، وقد تم تلخيصها في جملة واحدة: الحالة ستزداد سوءا!
نحن نعيش سؤال الغذاء وسط حرب ساخنة، من مظاهرها عولمة تحت النيران وكل اضطراب طفيف في سلسلة التوريد سرعان ما يولد تأثيرا مضاعفا، وفي غياب تدفق مطرد لإنتاج الأغذية وإمداداتها سيخاف العالم من مجاعة مقنعة وستزداد الإضرابات الاجتماعية… ويختل التوازن بين العرض والطلب على الغذاء، الشيء الذي يفضي إلى ما يفضي إليه من أوضاع صعبة.
حفظ لله بلادنا من ذلك، وحفظ لله الحكومة من كل فقط سيئة النية!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 21/05/2022