القمة العربية من زاوية مغربية: وختامه.. حشو!

عبد الحميد جماهري

أسدل الستار على القمة العربية بالجزائر، وعاد كل وفد إلى بلاده ليقوم بتقييم نتائجها، انطلاقا من ثوابته القومية وانطلاقا من ثوابته الوطنية.. وليتابع مساراته الذاتية، ويفكر، ربما، في كيفية مشاركته في تنفيذ «القرارات والتوصيات والتقارير» الصادرة عن القمة.
لم يكن لغياب دام، في المدى القريب ثلاث سنوات، وفي المدى البعيد ثلاثة عقود، أن يمسح من ذاكرة الشعوب العربية السلبية التي ارتبطت بالقمم العربية، إلا في ما ندر.
وقد كان بليغا أن طول جدول الأعمال ولعله الأطول في تاريخ القمم العربية، بل قمم العالم، كان هو الدليل أن المنطقة العربية اتسع فيها الخرق على الراتق حتى عادت كل قضاياها بؤر‪ ألم وحريق ونزاعات، وصار من الصعب ترتيب الأولويات، والحسم في قراراتها : من الحروب، إلى العدوان، من القمح إلى طرق الغاز والبترول، ومن قضايا التحرير إلى قضايا الماء ومن مصير الخرفان في حرب روسيا إلى مصير الإبل في شمال العراق… ومن انتخابات ليبيا إلى دستور العراق، ومن تحرشات إيران إلى اختراقات تركيا…
وفي كل هذه القضايا اتفق العرب منذ القديم أنهم مختلفون، ومن معجزات العرب أن العالم يعرف درجة الترهل العربي، ومع ذلك يقف فاتحا فاه أمام قدرة العواصم على حشو البلاغات بكل القضايا الخلافية، في «ترابيزمـ بهلوانيات» لغوية عجيبة تجعل القارئ يعتقد بأن العرب كانوا طوال هذه السنوات في كرنفال كوميدي فقط وأنهم عادوا إلى الجد من جديد، وأنهم وحدة لا تتجزأ في ميزان السياسة الدولية.
والحق أن المتمعن في فقرات البلاغ، يجدها، إلا نزرا قليلا، ترضي كل الأطراف، ولو كانت بينها داحس والغبراء، وكل يجد في الحشو البلاغي ما يعنيه ويرضيه ويرضي شقيقه اللدود.
حتى في القضية الفلسطينية التي نعبرها عادة فوق الصراعات، على الأقل تحقق الحد الأدنى من الشعور العربي الموحد ( ولو في تأنيب الضمير)، جاءت العبارات فضفاضة، ومترهلة ولا تحدد أي أفق عملي لما يجب أن يكون عليه. تم التذكير بدولة فلسطينية في حدود 1967، وهو قرار العالم العربي يعود إلى ما قبل تفككه، والتذكير بخطة السلام العربية لسنة 2002، أي قبل عشرين عاما في بيروت. وكان السؤال وقتها: من يعلق الجرس، أو يقدم الخطة للطرف المعني وللأطراف الدولية، ولأن العرب لم يجدوا مساومات في جبهة الحرب والمساندة فقط ظلت الخطة طي النسيان إلى أن تساقطت مرة أخرى في الجزائر..
بخصوص مرافقة الأشقاء الفلسطينيين في تنفيذ الاتفاق يبدو ألا أحد صدق ذلك، اللهم إلا من عبد المجيد تبون، الذي ظهر في فيديو ما بعد الاختتام وهو يحدث الصحافيين الذين مدوا له ميكروفونات طويلة، في ندوة صحافية خرافية جعلته يحدث نفسه بقضية أكبر من بلدان العرب كلها قائلا: أنا من سيتابع القضية الفلسطينية!
وهذه عنترية على هامش القمة ستجعل الآخرين كل الآخرين يردون عليه سرا وعلانية : طيب توكل على الله، وواصل عملك ولا حاجة لك بالعرب.. دون أن نذكر بأن الأشقاء العرب لم يمنحوا الجزائر ما نصت عليه في خطتها للم الشمل الفلسطيني، أي لجنة عربية برئاستها.. بالرغم من بلاغة الدغدغة في التنويه بمبادرة السعودية وقطر ومصر!
المغرب كان في قلب ما حدث في الجزائر من زوايا مخالفة بعض الشيء، وفي أمكنة متعددة من مراحل الإعداد لها.
والتزم في ذلك، بالفصل بين قضاياه الثنائية مع الجيران وقضاياه القومية مع بقية العرب، عكس الدولة المحتضنة التي أصرت على الخلط بينهما، لغاية لم تعد من اختصاص سيدنا يعقوب عليه السلام ونفسه الكتومة!
المغاربة يقولون: «لعداوة ثابتة والصواب يكون». مع الجزائر اكتشفنا أن «لعداوة ثابتة والصواب ما يكون».. كما تبين من معاملة الوفد الصحافي واستقبال بوريطة وتقزيم الخريطة الوطنية ومنع الوزير من استقبال الصحافة.. وغير ذلك!
الاهتمام من جانب الرباط انبنى على القصدية التي أرادتها الجزائر من القمة منذ البداية، بتحويلها إلى منصة ضد المغرب، في توجهاته الإقليمية كما في مواقفه القومية.
كان واردا عندنا أن القدس ستستعمل ضدنا، كما كان الحال طوال السنتين الأخيرتين اللتين راكمت فيهما الجزائر «رأسمال» غير مسبوق من العدوانية ضد الرباط.
وأن فلسطين كلها ستكون ضدنا، كما أرادت من خلال توظيف ورقتها في لعبة ابتزاز لا أخلاقي ضدنا وخلط الأوراق والزج بالفصائل الفلسطينية في لعبة غميضة سياسية مفضوحة…
وكان واضحا أن الساحة الليبية وما تحقق فيها ستعيد الجزائر، من خلالها، ترتيبها بتغليب مصالحها وتكتيكاتها على النجاح في تحرير ليبيا من مسلسل دموي طويل المدى منذ 2011..
وكان الوعي بأن الزاوية الصراعية تتحكم في السلوك الجزائري أكثر من أي شيء آخر، وأن «ما سمته الجزائر «يقظتها» الديبلوماسية المراد منها توريط العرب في دينامية لاوحدوية..
هل خسر المغرب في القمة، بالرغم مما سبق وقلناه؟
أبدا:
لقد ظل ملكه هو محور الانشغال السياسي والإعلامي منذ الاتفاق على تاريخ انعقاد القمة، وحتى آخر دقيقة فيها.
وقد استطاعت دبلوماسيته في شخص الوزير نقل المعركة إلى قلب الجزائر، بشجاعة وجرأة وإقدام لا يمكن نكرانه أبدا. ولعل ذلك ما ذكر المتتبعين بالفيلم الشهير» في تراب الأعداء» من إخراج جون مور، وبطولة جيني هاكمان واوين ويلسون. ذلك الجندي الذي يجد نفسه فوق التراب الصربي في عز الحرب في يوغوسلافيا القديمة ومجازرها ومذابحها الشهيرة وعليه أن ينقذ نفسه وينقذ القضية ويكون شاهدا على التاريخ.
وسقطت مراهنة المحتضنين على تجاهل مواقعه في الصراع من أجل قضايا الجسم العربي، والقدس، ونحن نذكر الحرب الجزائرية في نقطة التعاون الإسلامي وفي المجموعة العربية بالأمم المتحدة ورفضه ذكرها بخير.
ونص البيان الصادرعن القمة على دور الملك ودور اللجنة والقادة بل دعم العمل الذي تقوم به اللجنة وبيت مال القدس..
ولم يكن تخطي المغرب واردا في قضايا أخرى…
لقد عجزت الجزائر وهي في عقر دارها أن تنال من تأثير المغرب، ومن استخلاص مواقف ضده في ما يعتبره سلوكا سياديا، وتم الاتفاق مع تحليله بخصوص التهديدات التي تمس وحدة البلدان ووحدة التراب، وإن كنا نسجل أن التوازنات «الإيلاستيكية ـ المطاطة» للعديد من الدول، عادت إلى نفس المخارج الديبلوماسية المعقدة في صياغة القرارات الختامية، التي يكون الإجماع فيها شرطا من شروط اتخاذها.. وقد جعلت البيان «محلولا» لغويا، لا يسمي إيران وتركيا باسميهما للعلاقات المعروفة ببلدان شرقية معهما…
ومع ذلك… مع ذلك..
– سنتذكر لماذا اعتذر الملك ذات ربيع من 2016 من استقبال العرب، البارعين في تعميق الخلافات وتغطيتها بالبلاغات ونَحْوِ العاطفة!
ونحذر بالأساس من وضع الشلل الذي توجد عليه الجامعة العربية وكيف تحول المؤتمر إلى غاية في حد ذاته وتنفض بعده المواسم ولا يعدو أن يكون مناسبة للصور والمجاملات .. والحال أننا تعبنا من بلاغات تعطي الانطباع الخاطئ بأننا فعلا أمة واحدة وتتحرك بإيقاع واحد…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 04/11/2022