اللحظة الديغولية عند ماكرون: حياد مزعوم لتشجيع الصراع بين المغرب والجزائر!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

فرنسا هي الطاعون، والطاعون فرنسا…

هل حان الوقت كي يستعير الشعور المغربي مقطع الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش عن أمريكا في قصيدته الملحمية «مديح الظل العالي»، لوصف ما تفعله فرنسا بنا؟ ويصرخ مثله ملء الفم: «فرنسا هي الطاعون والطاعون فرنسا»…
ربما ربما
مثلما مثلما..
لكن الواضح ألا أحد من المغاربة يخفى عليه اليوم، وهو يبحث في تفاصيل العبث البرلماني الأوربي، وغيره، ما تفعله اليد الفرنسية بالمغرب.
وقد شعر الجميع، سياسيين وديبلوماسيين ونخبا ومواطنين عاديين، بأن في التصرف الفرنسي، الذي اجتهد ممثله في البرلمان الأوروبي، ستيفان سيجورني (رئيس الفريق ومدير حملة ماكرون في الرئاسيات ومستشاره في السياسات العمومية) في توفير الغطاء السياسي العددي لنفاذ القرار وتمريره في البرلمان، رسالة ما موجهة إلى المغرب.
وماكان لذلك أن يتم لولا الإرادة السياسية الفرنسية في هذا الباب، بالرغم من تلعثم إيمانويل ماكرون عند مواجهته بالأمر، ومحاولة التوهم بالعجز.
كان القرار، بالرغم من عدم الزاميته، قرارا لتوفير الشرط المناهض للمغرب، وهو يوازي البروباغاندا التي تسير عكس الديبلوماسية.
هناك إذن إرادة لتعطيل الديبلوماسية، ولآليات الحوار الأوروبي المغربي لفائدة الجو المناهِض بواسطة البروباغاندا. وهو عادة مناخ يسبق النزاع وشكله الكلاسيكي الأقصى…. الحرب!
يقول هنري كيسنجر في كتابه الديبلوماسية، إن التاريخ هو ذاكرة الدولة.. والتاريخ المشترك، يفيدنا بأن اللحظة الدوغولية في علاقة فرنسا مع المغرب قد عادت مجددا، والمناخ مناخ حرب مع الجارة الشقية شرقا.
تفتخر فرنسا في الآونة الأخيرة بأنها وضعت أفضل قانون برمجة عسكرية في تاريخها منذ الفترة الديغولية في 1960، عندما قاد الجنرال التجارب النووية في صحراء المغرب الجزائرية!
وكان الإعلان الرسمي المفخم للرئيس إيمانويل ماكرون قد أفصح عن تخصيص 413 مليار يورو (قرابة 430 مليار دولار )، وهو أكبر ميزانية عسكرية منذ 1960.. وقت منحت فرنسا لنفسها القنبلة النووية.
وهي رمزية شدد الرئيس الفرنسي عليها..
يقول إيمانويل ماكرون، في حديثه لتبرير الرفع المهول من الميزانية العسكرية، إن على فرنسا« أن تكون متقدمة بحرب..»nous devons avoir une guerre d‪’avance كما يسبقك آخرون باعا. ولا أحد يعرف بأن الحرب هنا هي المقصودة في شرق أوروبا بين أوكرانيا والروس، لأن المجال الحيوي لفرنسا هو شمال إفريقيا وإفريقيا الغربية خصوصا، فهل هو هذا مجال التلميح الرئاسي؟
لا أحد يدرك المغزى إلا من مصادفات الرزنامة الديبلوماسية لباريس، وهي تعلي من نزعتها العسكرية وتستقبل في نفس الفترة رمزها الحي في الدولة الشرقية، سعيد شنقريحة.
إن فرنسا تهيئ جوا عدائيا للمغرب، وهي تسارع من أجل قلب الأجندة الأوروبية الإيجابية إزاءه .
فرنسا تواجه في هذه الفترة أصعب لحظاتها الاجتماعية ورأيها العام المجتمعي ينظر بغير قليل من السخط إلى هذا البذخ العسكري، في وقت يخرج ملايين الناس إلى الشارع، استنكارا لنقص ميزانية المدارس والمستشفيات مما يغذي التوترات الاجتماعية، لكن النزعة العسكرية استولت على الرئيس بعد فشل كل الوصفات السابقة للردع والتأثير على السلطة المرنة وصناعة النخب، ويبدو كما لو أنه اختار أن يكون الرد هو العسكرة المتزايدة..
الجميع يعرف أيضا أن الميزانية العسكرية تخضع في جزء منها للتدبير السري، أي تنقصها الشفافية والاطلاع الواسع لعموم الناس، كما في كل الميزانيات العسكرية.. وهنا يجتهد خطاب الرئيس في لغة الردع كمقولة ديغولية بحتة، بنت عليها فرنسا قوتها في العالم…
ومن النقط التي تحدث عنها الرئيس في علاقة مع إحياء فلسفة الردع،« إعادة تعريف الوضع الفرنسي في إفريقيا» …
في عز النفور الإفريقي من التواجد الفرنسي في القارة السمراء ما زالت فرنسا تسعى إلى لعب دورها المخاتل في شمال القارة.
والسؤال البديهي هو: لماذا تسعى إلى التفوق العسكري؟
تاريخيا كان ديغول قد علق على الحرب المغربية الجزائرية في 1963 بالعبارة الشهيرة »اتركوا العرب يتقاتلون بينهم« !
لقد قال بالحرف  « سنساعد المغاربة بتمكينهم من الأسلحة، ونساعد الجزائريين بوضع مطار كولومب بشار رهن إشارتهم وهكذا نساعدهم على الاقتتال، وعلينا مع ذلك أن نتصرف كما لو أننا محايدون.«
وقتها كان وزيره في الخارجية والناطق باسم الحكومة في ستينيات القرن الماضي آلان بييريفت، Alain Peyrefitte ، قد طلب منه إعلان الحياد رسميا فأجابه»لا يجب أن نعلن أي شيء، وعلى كل، هذا أمر غير صحيح (إعلان الحياد). «
هذا الحياد المزعوم يعود من جديد أكثر بروزا، وهو تقوية الطرف الجزائري، في اعتقاد فرنسا، على حساب المغرب… ولماذا لا، تنفيذ الخطة التي دعت إليها أطراف ألمانية سابقا، والتي كانت تريد من الاتحاد الأوروبي أن يفرمل التقدم المغربي إلى حين أن تصبح الجزائر وتونس على نفس المستوى من الريادة الاقتصادية والسياسية والعسكرية!
ماكرون يريد أن يتقدم على أقرانه بحرب..
ماكرون يرفع الميزانية العسكرية إلى مدى غير مسبوق..
ماكرون يفتخر باللحظة الديغولية ..
ماكرون يستقبل شنقريحة..
ماكرون يطلق مستشاره وقائد حملته في البرلمان الأوروبي ستيفان سيجورني لتلغيم الاتحاد الأوروبي…
ماكرون يريد أن يجرب حظه مع الحرب!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 26/01/2023