اللحظة الوطنية، أرحب سقف للسياسة في البلاد

عبد الحميد جماهري

تأتي تطورات قضية وحدتنا الترابية لتذكرنا بثوابت، هي مركز الوجود بالنسبة لبلادنا، وقد يحدث، من باب السيولة الزمنية أن نغفل عنها:
وأول هذه الثوابت أن فكرة الوطنية لا يمكنها أن تتقادم، أو تدخل حيز الشيخوخة، وأن الوطنية، كالوطن متجددة الدم باستمرار، وعندما قد يتخللها بعض من روتين التداول، فإنها تثأر لنفسها دوما..
لا يمكن لهذه الفكرة أن تدرج في خانة ما يمكن أن يناقش كمتحول سياسي، أو مؤسساتي أو حتى حزبي، يمكن القفز عليه إلى أفق آخر..
لقد أكدت هذه الفترة التي نعيشها أن شرعية الوجود الحزبي، والوجود الفكري والوجود، بكل بساطة، لا يمكن أن تبرر أو تفسر أو تسوغ الانتقال إلى فضاء آخر.
الفكرة واسعة بالقدر الذي يجعلها دوما أرحب ما يكون…، وتذكرنا اللحظة، أيضا، بأن سقف السياسة عندما لا يكون بهذا البعد، لا يكون خفيضا فقط بل يكون خطرا
وخطأ.
ولا يمكن استبدال لحظة وطنية إلا بما هو أكبر منها، أي فكرة وطنية متجددة..
وأعتقد بأن المغرب، هذا هو التوجه الذي طبع تاريخه، المعاصر بالتحديد..
فكرة النضال الوطني، هي التي أعطت معنى للصراع السياسي تحت نير الاستعمار، وأقامت الفرز داخل الحقل السياسي برمته، وفرزت من مع المغرب ومن مع أعدائه..
والمرحلة التي تكرست عبر ميثاق التحرير الوطني، لم تتكلس، فهي التي كانت وراء الشرعية الكفاحية للملكية مع أب الأمة المرحوم محمد الخامس، عوض ما اقترحه بعض أفرادها مع محمد بن عرفة أنفسهم..
وهي التي كرست بل أعطت شرعية للقوى السياسية في البلاد، بين من يضع نفسه رهن إشارة الوطن ومن يضع نفسه رهن إشارة من هم من خارجه إن لم نقل ضده..
وهي التي أقامت الفرز داخل القوى الدينية نفسها، بين قوى دينية وطنية وأخرى رغم تدينها ليست وطنية، مع الزوايا وبعض رموز التدين المخدوم….
وما دام الوطن يدافع عن وحدته، ترابيا وإنسانيا، ستظل الوحدة الوطنية، بل اللحظة الوطنية هي اللحظة السائدة في ترسيم المعنى السياسي للوجود، وكل فكرة يستفاد منها استنفاد العقد الوطني لشروط وجوبه يجب الحذر منها، ومحاصرتها..
لقد تبلدت أحاسيس كثيرة، بفعل الاسترخاء الذي قد يكون وراءه هذا الظرف الدولي أو ذاك، لكن الواقع يفرض علينا أن ننتبه إلى هذه اللحمة الوطنية في تحديد الأجندة السياسية لوطننا..
محكوم علينا الحفاظ على هذه اللحظة، وكل العقود السياسية المرتبطة بها، على قاعدة أرضية وطنية، تضمن الوحدة والديمقراطية والتطور المؤسساتي بما يخدم البلاد لا بما يخدم السياسة!
لقد وجد المغرب نفسه في امتحان غير يسير، قريبا من الصحراء بعيدا عنها، وهو يواجه موجة شحن وتفريغ كبرى، ذات علو إقليمي، بل دولي، في الفترة الأخيرة، وكانت القراءة الوطنية، من زاوية امتثال السياسة للمصلحة الوطنية، هي الحل.
وقد ساد بعض التوتر السياسي، ليس الوقت وقت التفصيل فيه، بسبب وجود جزء من التفكير الذي لا يعطي للوطنية كامل ترابها في الرقعة السياسية وتفاصيل العقد الاجتماعي الجديد..
وقد يفهم الكثيرون اليوم أن التحصين تم بالقاعدة الثابتة، أي الوطنية مع مرونة اللحظة الإقليمية وامتصاصها ضمن المد والجزر الذي جاء بها في منطقتنا..
وسيكون علينا أن نظل حريصين على استحضار الفكرة الوطنية ونحن نبني المشاريع السياسية، لأن الفكرة ( سواء أممية دهرية أو أممية عقدية) لا يمكنها أن تحتل هذه المرتبة بأي مبررات كانت، لأن الوطن لا بد من أن يكون محددا لأي مشروع يساير ويتفاعل مع الشرط الزمني العالمي..
بلغة أخرى فقد جعل التقدميون تقدميتهم وطنية قبل أن تكون إيديولوجية دون أن يتنكروا للقيم التي كانت وراء ذلك، كما جعل السلفيون سلفيتهم وطنية بدون أن ينزعوا لباس اللاهوت في وحدة الأمة وغير ذلك، مما يدفع دوما إلى الاحتكام إلى الوطنية والوطنيين في تقدير مواقف البلاد …والدفاع عن مؤسساتها التي تكرس هذه الشرعية وترعاها، وتكرس امتدادها في الهنا والآن، وفي القادم من الأيام….

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 10/04/2018