اللحظة الوطنية، صف متراص و … متحرك! 2/2

عبد الحميد جماهري

صف واحد متراص، لكنه صف متحرك يسير، وليس جامدا في الزمان والمكان
والزمان هنا سياسي
والمكان مؤسساتي…
هكذا تحدث، بالمعنى لا باللفظ، الفقيد الكبير عبد الرحيم بوعبيد، وهو يربط بين جمود السياسة، في محطة شبه ثابتة، وتحرك القضية، وسط تلاطمات الجيواستراتيجية ولاشعور التاريخ عند الجيران..
ولهذا أيضا، يكون الدفاع بالحركة ..
وليس بالصمود وحده أو بالاصطفاف وحده..
لعل من قوة المعركة الوحدوية في بلادنا، ومن تميزها عن العديد، إن لم نقل كل معارك الدول التي خاضت قدرها العسكري من أجل الحرية، أنها انبنت في جزء منها على تطوير الإصلاح وتطوير أداء مكونات الدولة والمجتمع معا..
لاصوت يعلو على صوت المعركة، لكن المعركة ليست وحيدة الخلية
بل هي متعددة الجينات: الوحدة، الديموقراطية،التنمية …
لقد كان الوطن، منذ نشأة حركته المطالبة بالاستقلال وطنا منذورا للديموقراطية…
لهذا وجدت إشكالات المؤسسات في صلب الاستقلال الأول ثم في صلب الاستقلال الثاني لجزء من أراضي الجنوب، ثم في صلب الاستقلال الثالث، استقلال الوحدة في الأرض وفي الإنسان..
نذكر بهذه البدهية لكي يعرف كل واحد موقعه، ولكي يعرف بعضنا أنه لا يمكن أن يجد آذنا صاغية إذا هو اعتبر بأن الحديث عن الديموقراطية
والشراكة السياسية
والتعددية
تعفيه من الوطن!
أبدا..
وأن الوطن يكون دوما على حق، عندما يدافع عن نفسه، كل حقه يتعزز بالشراكة الوطنية الواسعة،
القضية جماعية ..
كما لا يمكن أن يعتقد أحد بأن الفقراء يمكن أن يشفعوا له في أن يستصغر معركة الوطن: البعض يستسهل المعركة الآن
والبعض يعتبر بأنه غير معني سوى بالدفاع عن الشغل والوضع الاجتماعي والحق في العيش، والوطن ليس شرطا لهذا..
هؤلاء أيضا جربتهم ظروف الأممية الثانية والثالثة
وجربتهم النزعات البروليتارية
وجربتهم أيضا العولمة الأيديولوجية، ولم يثبت أنهم بقوا بعد الأوطان، ولا أنهم استمروا لأن مقايضة الفقراء بالشماتة في الوطن ليست جدلا صائبا..
الذين يسخرون من أعطاب السياسة لكي يستصغروا معركة البلاد، لا يمكن أن يرتفعوا..
أبدا، لم يثبت أن من استصغر بلاده في المحن أصبح كبيرا بديموقراطية… في الفراغ..
لا ديموقراطية إلا ديموقراطية الأرض التي تحت قدمي… أيها السادة.
الذين يعتبرون بأن معركة القانون قد تلغي الواجب الوطني في الدم وفي الشريان، لن يقدموا تعريفا بيولوجيا للوطن، وليس أكثر من التعريف الأسري الفج للوطنية
شرقا أو غربا
جنوبا أو شمالا
سياسيا أو اجتماعيا
الوطن يوجد في الدم، لكنه لا يختزل فيه
الوطن كريات حمراء وخضراء
لكنه لا يعزل في الامتداد الأسري …المفضي إلى الريع:
ذلك الريع الذي انتقدته السلطة الأولى في البلاد ومن أعلى منابر السلم المؤسساتي فيها!
نحن لا نعيد التعريف للوطن لكي نتفاوض معه..
نحن نعيد امتلاكه، بالدفاع عنه، تسندنا الديموقراطية
ولا تشغلنا عنه
وتسعفنا العدالة ولا تكفرنا به ….
والسلام.…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 11/04/2018