المؤسساتي في المسؤولية الفردية عن الوباء!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
كان الخطاب الملكي في ذكرى عشرين غشت المجيدة، موضوعاتيا، ونادرا من حيث تركيزه على نقطة واحدة، هي من صميم الانشغال الاستراتيجي، وكان واضحا كالحقيقة المرة..وكان مقتضبا، كوصفة دواء مر أيضا، وكان الملك فيه يتكلم بلسان ملك الحياة اليومية للناس والمعيش الملتصق بهم، وبحياتهم، أو بالأحرى بشبح موتهم المخيم على الجميع.
وقد توجه الخطاب إلى وعي الناس وضميرهم، بدون أن يلعب على الخوف، وبنى منطقه على العقل والرزانة واستنهاض العقلانية، والمواطنة السلوكية…
وقد قيل ما يجب أن يقال(المتن كله) عن المسؤولية في حدودها الفردية، غير أن ما لا يمكن أن نغفله، هو أن الضغط المتزايد للأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تلوح في الأفق أوزارها وشراراتها، زاد أيضا من تآكل وتفكك الكثير من المؤسسات، بعضها كان يعيش أزمة مزمنة، تهم الأداء والجدوى، وبعضها اشتغل كما لو أنه «بنية »معزولة عن المغاربة الذين تعنيهم والمفترض أنها تخدمهم، وتحول إلى «بنية ساكنة» مجردة، مفرغة من الإنسان… أي أولئك الذين قلنا عنهم بوضوح إنهم اعتبروا الدولة غنيمة حرب…!
غير أن المسؤولية الفردية تهم أيضا المؤسسات، من جهة ساكنيها ومن يتحدثون باسمها.. ومن ذلك أن للوزراء مسؤوليات فردية في سلوكهم في زمن كورونا باسم مؤسسة الحكومة مثلا…
ولن نزيد الجرح ألما: الذين خرجوا في بداية الجائحة يقولون لنا بأن الوباء لا يعني المغاربة كلهم، وأن الكمامات لا تقي من المرض ولا تأثير لها، والذين قالوا -من أعلى هرم مؤسسات دستورية- بأنه مجرد زكام كأي زكام آخر، علينا أن نذكرهم بما قالوا، ونذكرهم بمسؤوليتهم العلمية والفردية في المساعدة على تزييف حقيقة الوباء ونصنفهم ضمن “من يقول لكم غير ذلك، فقد كذب”»!
مسؤولية الشعب الآن: لنتواضح ونقول الحقيقة كما يجب…
المغاربة مسؤولون، كل في دائرته الفردية، ومسؤولون عن تداعيات سلوكهم وعما يمكن أن ينجم عنه.
غير أن الشعب المغربي ليس هو شعب أثينا القديمة ولا هو شعب الإغريق في القرن السادس قبل الميلاد، فهو ككل الشعوب حاليا، لا يدير شؤونه وقراراته بشكل مباشر، وهو ليس الشعب السويسري الذي يقدم آخر نماذج حية لما فعلته أثينا باتخاذ القرارات بمشاركة مباشرة للمواطنين، بالصيغ المعروفة اليوم.. ولا هو الشعب الجماهيري العظيم، أيام الجماهيرية العربية الاشتراكية العظمى قيد حياتها مع الكولونيل الفقيد العقيد القدافي تغمده الله برحمته…
نحن شعب نباشر المسؤولية الفردية، ونتحمل أوزارها الصحية، وما قد يترتب عنها، كما نتحمل مسؤولية …تصويتنا، بشكل فردي، وما ينجم عنه من مسؤوليات، وهنا حدود المسؤولية الفردية…. وإذا كانت روح عشرين غشت هي الروح التي أراد جلالته أن تحضر هنا والآن، فلأنها النَّفَس القادم من اللانهائي لإنقاذ المستقبل…
وضمْنا، فالمسؤولية الفردية لأبناء الشعب، تهمهم هم أنفسهم وتهم احترامهم لبلادهم ولحياتهم وعدم تشكيكهم في القرارات الرسمية التي تحميهم، والقرارات هي التي تهم الحكومة في نهاية التحليل…
فالدولة- كما قال جلالة الملك- تحملت مسؤوليتها، واختيار كلمة الدولة ليس اعتباطا، فهي ليست مقابلا للشعب، بقدر ما هي الكيان الذي يضم الأرض والشعب والمؤسسات، والمؤسسات هنا معنية، كحكومة كنخبة وكمكون سياسي ومدني في البلاد.
ولنا أن نطرح الذي يجب أن نطرحه:كيف تقوم الوزارات والمؤسسات بأدوارها، وما ينتظرها إلى حد الساعة؟
ألم يترك المواطن نفسه عرضة للزوابع تأتيه من كل فج عميق(وأحيانا بتواطؤات أيديولوجية حتى لا نقول روحية)، في مواجهة مع الذين يستنكرون وجود الوباء نفسه؟
لنذكر أيضا بالمسؤوليات الفردية للحكومة في هذا الباب، وخاصة الذين قالوا بأن الوباء لا يعني الجميع، بأنه موجود جزئيا وبنسب محددة، وقالوا بأن الكمامة لا أثر لها في الوباء، واليوم تصبح من الخصائص الكبرى في سلوك المواجهة، ألم يشكلوا مرجعا، من أعلى السلطات المؤسسية في البلاد، لكثير من المغاربة الذين يرون بأن الوباء لا خطورة فيه؟
أليس من المسؤولية الفردية أن يتقدموا إلى المغاربة ويعلنوا صراحة: لقد أخطأنا ودفعنا الكثيرين إلى الخطأ ونحن نعتذر ونقول لكم إن الوباء يعنينا جميعا والكمامة للمريض ومن في صحة جيدة على حد سواء؟
هكذا نفهم المسؤوليات الحقيقية، لا أن تخفي المسؤولية الفردية مسؤولية المؤسسات الحكومية التي تقرر في الوباء صباح مساء.…
فالفراغ ، في مطارحة هذه الآلة الجهنمية حول إنكار وجود الفيروس، الذي ورد في الخطاب الملكي الواضح والمنير، هل يمكن مواجهته بدون وجود مؤسسات قادرة على تفنيد خطابه وضحد منطلقاته وآلياته ؟
وهذه الأدوات الحربية لا يملكها الأفراد بل يملكها الساكنون في المؤسسات، فالنزوعات المؤامراتية، هي عنوان لفراغ سياسي وثقافي رهيب مخيف، من تمظهراته أنه ينزع الطابع السياسي عن الحياة العامة.
ومن يهمه الدفاع عن السياسة والفاعل والفعل السياسيين يجب أن يتدارك هذا الفراغ وهذا الفصل بين السياسة والحياة العامة…
كما أن كل الاجتهادات،- والسادة أصحاب الكفاءات في الحكومة وفي المجالس التي تسير بجانبهم أو تقيم معهم شراكات دستورية يعرفون ذلك – تنبهنا إلى أن المسؤولية، أو تحميل المسؤولية واستدعاءها فرديا يتم عادة – بل يصبح ضرورة – عندما تكون هناك أزمة ثقة لدى الناس إزاء الدوائر السياسية أو إزاء النظام التمثيلي……
يتبع…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 24/08/2020