الماء مشكلة مغربية حديثة؟

عبد الحميد جماهري
من حسن حظنا أن الأنهار كلها لنا
من المنبع إلى المصب، وأن الماء، ليس مشكلة جيواستراتيجية يتدخل فيها الجوار السياسي والترابي..
وهذه الفكرة البديهية، نكاد لا نراها
نكاد لا نشعر بها، بالرغم من أنها مسألة حيوية وذات أبعاد لا حدود لها، إذا ما نحن استحضرنا ما يجري حول النيل، بين اثيوبيا ومصر والسودان والتوترات الترابية والسياسية والحيوية..
من حسن حظنا أننا لسنا في مشترك مائي، سياسي، كما هو الأمر في دجلة الفرات، بين العراق وسوريا وتركيا، وكما نبه إلى ذلك والي ولاية الدار البيضاء سطات في لقاء تحسيسي حول الماء احتضنته العاصمة الاقتصادية، هذا لوحده نعمة من لله..
خارج هذه النعمة الإلهية، المدسوسة في طبيعة المغرب وجباله، كل شيئ يدخل في السياسة والمجتمع.
استهلاك الماء كما المحافظة عليه
توزيعه بالعدالة، كما حصره في أفواه الأثرياء..
الماء معضلة تبدو حديثة في المغرب: مع تفاوت مفارق في الطرف الثاني من المعادلة: الجفاف معضلة قديمة، لكن الماء لم يصبح معضلة، إلا حديثا..
كيف؟
كان ليوطي يقول إن المطر يحكم في المغرب
عندما لا يسقط المطر، تنهض الثورات
والتوترات
ويصبح الفلاح خارج طوره
ويهدد بذلك نظام الحكم..
غير أن العطش صار معضلة حديثة في بلادنا..
معضلة الماء من اختراع المرحلة الجديدة، إذ لم يكن موجودا كمعضلة شرب، إلا بعد أن صار معضلة اجتماعية.…
نحن اليوم في طور اكتشاف الماء، بعد أن اكتشفنا الجفاف!
الماء هو العطش، هنا…
وليس الجفاف الفلاحي
أو جفاف الأنهار
وجفاف ملاعب الغولف والمساحات الخضراء..
في الدارالبيضاء مثلا، ما زال بعض الدواوير، على بعد كلمترات قليلة من أكبر مدينة في البلاد وعاصمة المستقبل والحداثة، بدون ماء صالح للشرب، ولكن كل ملاعب الغولف تستعمل المياه الصالحة للشرب في اخضرارها والحفاظ على رونقها..
في البرنامج الجهوي، سيتم بناء 15 مشروعا في أفق 2027 لمعالجة وإعادة استخدام المياه العادمة لسقي المساحات الخضراء، وسيخصص منها 7 مشاريع لسقي ملاعب الكولف وبتكلفة إجمالية تقدر بـ 357 مليون درهم
صنفها للغولف..
وماذا سنفعل بالملاعب طوال المدة التي تفصلنا عن إنجاز المشروع؟
نسقيها بالماء الصالح للشرب!
في البيضاء دوما،تمت برمجة محطة لتحلية مياه البحر بتكلفة إجمالية تقدر بـ 400 مليار سنتيم، وهو عمل بليغ وبالغ الأهمية.
لكن الذي سيبقى معلقا كسؤال:هل يكفي التحسيس والإنفاق العمومي الضخم لحل معضلة، بدون قوة القانون؟
ما هي الترسانة التي يمكنها أن ترافق كل هذا؟
الفلاحة ، أيضا: هل يمكن أن نزرع كل شيئ ونفلح كل شيء، بما في ذلك الفلاحات التي تتطلب الماء الوافر والوفير، لكي نصدرها إلى بلدان أوربا حيث الماء أكبر،كما تساءل الوالي ورئيس الجهة معا في ندوة صحفية عقب اللقاء؟
ومن الحتمي أن الماء، في المستقبل القريب سيصبح معادلة لا تنفصل عن الطاقة، الشمسية وغير الشمسية وعن الهواء وعن كل رهانات التراب في بلاد المغرب.
الماء الشروب سننتجه، وسيكون علينا أن نطرح السؤال: هل نعيد تخزين الماء من أجل أن نبذره كيفما اتفق أم نصنع منه اقتصادا يقوي الاقتصاد ويضمن السلامة المجتمعية؟
إنه سؤال في جوهر السياسة المائية…
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 06/02/2020