المغاربيون و«الشرخ الوبائي»: الدولة شرطاً صحياً 2/2

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

على مستوى موجة التلقيح طلبت تونس خمسة ملايين جرعة، بدون تحديد نوعيتها ولا تدبيرها (حسب الصحافة التونسية)، ابتداء من الفصل الأول لسنة 2021 حسب شكري حمودة، من الهيئة الوطنية الصحية، والذي لم يقدم أجندة زمنية أو تنفيذية لحملة التلقيح. والواضح أن هناك توازيا تونسيا بين التردّد والتلقيح ووضوح أجندته والتردّد السياسي، في الانتقال إلى استقرار مؤسساتي، يكشف القدرة على تدبير الأزمات، حسب الأجندة الدولية العامة، أو هو قد يفسّر بأنه نوع من «اللايقين الانتقالي» الذي جعل الأجندة نوعا ما غير استعجالية. والسبب هو النخبة التي لم تستطع أن تحوّل انشغال الناس إلى أولوية، ما جعلها نخبةً صنعت البديل، من دون أن تصبح نخبة بديلة لما سبقها، على الرغم من النضج الديمقراطي العام للدولة.
ويتزامن تحدّي التلقيح في المغرب، تزامنا قاسيا، مع موضوع الوحدة الترابية، وجديد فصولها الكركرات. وعلى الرغم من استباقية الدولة المغربية في التصدّي للوباء منذ بدايته (استباقية في تفعيل البروتوكول الصحي، ثم الإعلان عن الأجندة الزمنية الدقيقة في القيام بحملة التلقيح)، فإن كل القضايا الصعبة ما زالت على أجندة الدولة المغربية، ومنها الانفصال والإرهاب، حيث لم توقف فقرات التوتر في جنوب المغرب، مع كل التصعيد الذي تقوده جارة المغرب الشرقية، مواصلة المتطرّفين محاولاتهم في تفجير الوضع. وفي خضم تفاعل هذه الثلاثية في الوعي الجماعي والشعور المشترك لدى المغاربة، يظهر تدنّي العقل السياسي لدى جزء من الوجوه العامة، كما هو أحد رجالات العهد القديم الذي اجتمعت في قصته مواضيع «الجنس والفيديو، والمخابرات»، أراد أن يكون فيها «دونكيشوتا جديدا»، بشكلٍ يثير الشفقة، أو انشغالات نخبٍ أخرى، بوضعها الذاتي ومصيرها الحصري، ربما يشي بطغيان الاستراتيجيات الفردية على هوْل الانشغالات الجماعية الكبرى. وإنْ كان لهذا من جانب إيجابي، فذلك هو الثقة التي ارتفعت إزاء مؤسسات الدولة، وتراجعت إزاء تعابير المجتمع.
هذه المواجهة الفردية، كما تعيشها أربعة كيانات كبرى في المغرب الكبير وشمال أفريقيا، أجبرتها الجغرافية والتاريخ ومشروع بناء الدول المستقلة على التعايش زمنيا ومكانيا، تشكو في العمق من غياب رؤيةٍ موحّدة تسير بها إلى جوابٍ جماعيٍّ على ما يتفاعل في إقليمها الأورومتوسطي والشمال أفريقي، وكانت فرصة التصدّي الجماعي للوباء، في فصل التلقيح، مناسبةً لاستدراك التأخر في هذا الباب وفي غيره. وتكفي مقارنة الأوضاع في المنطقة بتدابير الكتلة الأوروبية للوباء ولحملات التلقيح والمضاعفات الاقتصادية الآنية والمقبلة.
كان من الممكن، في هذا الخريف الاقتصادي، أن تجد دول المغرب الكبير، التي نجحت على الأقل، أكثر قوةً وأقلّ هشاشةً وارتباكا، وأكثر قدرة على توحيد جهودها، بتكسير قانون الأمر الواقع الذي طال أكثر من اللازم، ودخول معترك الاقتصاد العام، بمختبراته التكنولوجية والعلمية والمعرفية التي تعد فضاءات لخلق العالم المقبل.
وأحد الآثار الدائمة لكوفيد 19 ما بعد اللقاح أن دولا مغاربية ستحتفظ بعلاقاتها مع الجوارين، القريب والبعيد، بعد هذا الوباء. وربما لن تلتفت إلى كل ما سيتغير في مفهوم الدولة وأدوارها وطبيعة علاقاتها الجيو استراتيجية، بسبب غياب أفق الانتقال الديمقراطي أو تعثره، أو ببساطة بسبب قدرتها الفائقة على البقاء كما هي على الرغم من الوباء، ولو اقتضى ذلك الخروج من المستقبل! ولعل كلمة اللامغرب (Non maghreb) تتضح أكثر هنا في معالجة كل القضايا الاستعجالية، استراتيجيا ومرحليا، من الحروب الأهلية إلى نجاعة المؤسسات والتمرّد الجماعي والفردي والوباء والإرهاب، على ضوء التفكك والصعوبة الاقتصاديين، حيث إن العجز الذي يسجله غياب التعاون المغاربي اليوم، يتضاعف بالخسارات المهولة التي كلفتها آثار كوفيد المستجد، وقد قرّرت المواجهة المتفرقة لمشكلة جماعية، علما أن ناتجها الداخلي الخام مجتمعة لا يفوق 367 مليار دولار. (2019 بدون أزمة!)، وهو ما يعادل ناتج هونغ كونغ وحدها، مع فارق هائل في عدد السكان (102 مليون نسمة مقابل 7 ملايين نسمة!).
الطابع المادي والصحي للتلقيح لا يغيب طابعه الاستعاري: تلقيح دول هشّة، مع الفارق في الطبيعة والدرجة بوعي جماعي للخروج من وضع غير مقبول في حاضر الأزمة وفي مستقبل العالم.
نشر بالعربي الجديد في 08 دجنبر 2020

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 11/12/2020