المغاربيون و«الشرخ الوبائي»: الدولة شرطاً صحياً 2/1

عبد الحميد جماهري
تنطلق في عموم دول المعمورة موجة التلقيح الأولى قريباً، بعد أن تزحلقت أقدار البشرية على موجتين أو ثلاث من وباء كوفيد – 19، والذي ظل نفس الكرة الأرضية مشدودا إلى إعلان اكتشاف لقاح مضاد له. وقليلة هي الدول العربية، (سيما دول شمال أفريقيا التي تهم هذه المقالة)، التي أعلنت انخراطها في السباق الدولي الطبي، لا كمشاركة في المجهود العلمي غير المسبوق، بل ككيان بشري – سياسي – ترابي، يمكنه أن يشارك في التجارب، ثم في الإنتاج، وأخيرا في تلقيح ساكنته، حسب جدول زمني معلن منذ الآن. وهكذا، نجدنا معفيين من نقاشٍ يحدّد أولويات أنظمة كثيرة في العالم وهوياتها، ومن الدخول في تفاصيل بناء عالم ما بعد الوباء، (الاشتقاق الاصطلاحي الجميل يتحدث عن جيو- استراتيجية كوفيد – 19(.
لدينا بلدان مصابة، فهل يمكن القول إن لدينا دولا في مستوى وضع سلم أولويات في معالجة الإصابة التي لم تستطع أي دولة أن تجعل لنفسها رياضياتٍ خاصة يمكنها تقزيم الأرقام المهولة التي تغطي الكرة الأرضية؟ يصعب الجواب بالإيجاب في قلب المغرب الكبير وشمال أفريقيا. الجزائر التي لم تستطع أن تقدم خبرا، مجرد خبر، عن رئيسٍ منتخب حديثا، غاب عن دستور «الجزائر الجديدة»، يوجد في دولة ألمانيا للعلاج من كوفيد – 19، وهو خبرٌ ثمنه الصورة الإجمالية عن الدولة نفسها، فهذه دولة بمساحة لا تُضاهى، وتاريخ حديث يكفي لصناعة كيان قوي، وموارد طبيعية لا تتوفر لغيرها في المنطقة، لا تستطيع أن تجد حجّة وجود بين الفراغ والشك الذاتي. ومن مكر التماهي أن البلد برمّته مصاب بألم دولته ورئيسها، بلد أضاف إلى شكوك المستقبل العجز عن تحديد زمن ميلاد الدولة الجديدة التي وعد بها الدستور الجديد والذي لم يستطع الرئيس المريض المشاركة فيه بانبثاقها في مرحلة ما بعد حراكٍ دام سنة، حراك يبدو معلقا، لكنه «يبيت» في رماد سياسي قد يكون تعبيره الأساسي المغادرة الطوعية لما يقارب 80% من الناخبين الجزائريين صناديق الاقتراع… يبدو اللقاح هنا، وضمانة لعشرات الملايين من الجزائريين، امتحانا تدبيريا يواجه دولةً لا يبدو أنها تملك القدرة الكاملة، سياسيا وديمقراطيا وتنفيذيا، لتجعله أولويةً على ما عداها من عناصر القلق الحارقة.
في ليبيا، ما زالت الدولة ترحل من منتدىً إلى آخر، ومن مطار إلى آخر، دولة – كيان، تنتظر ميلاد الدولة – الجهاز! هناك حربٌ نائمة، تنتظر اتفاق لاعبين كثر في المنطقة، على أجندة خاصة بالليبيين، لا أجندات الصراع الإقليمي في حوض المتوسط وشمال أفريقيا. وما يزيد في قوة الشرخ الوبائي أن تسمح الحرب التي تهدّد بالعودة في كل حين، والشهيات الجيو استراتيجية للمتصارعين وحسابات الشرق وأوروبا، أن يعد الليبيون مرضاهم وعدد الجرعات الأولوية ولوجستيك نقل اللقاحات إلى أهلها. ولم تكن الدولة شرطا طبيا لمواجهة جائحة، كما هو الأمر اليوم!
الوضع معقد ولا شك، والأمر يشترط الوحدة في وجود الدولة، لكي تتحرّك كما يفترض فيها. و»الكل لا يعني مجموع الأجزاء» في الحالة التي تلي الحروب الأهلية، وبإشكال أكبر عندما يكون العنصر «القبلي أو الطائفي أو الإثني»، هو عصب الحرب، ووحدته هي عصب السلام، فالدولة أكبر من عملية جمع الأطراف المتناحرة، سيما في الوضع الوبائي الحالي الذي تعجز فيه دولٌ ذات تاريخ أقدم في الوحدة على إيجاد الجواب المقنع في التعامل مع الوباء وما يفترضه التلقيح.
يتجاوز الشرخ الوبائي الفروق بين الدولة الغنية والدولة الفقيرة، كما يتجاوز الفرق بين الدول المستقرّة والأخرى غير المستقرة. إنه يضم، أيضا، في شبكة اتساعه، الدول التي حقّقت نوعا من الاستقرار الماكرو سياسي، كحالة تونس، لكنها تواجه، في حالة الوباء الخاصة بها، «لا يقينا» انتقاليا عميقا، يهّدد الدول المنبثقة من دستورٍ ودولةٍ هما وليدا الثورة. والواضح أن المجال العمومي تطور إلى إيقاع معادلة التناقضات السياسية، من جهة، والوقائع الوبائية التي تهزّ البلاد، إضافة إلى جبهة الإرهاب والعنف، واختناقات الأزمة الليبية، من جهة ثانية.
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 10/12/2020