المغرب، ملتقى ديناميات متقاطعة

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

هي أفكار بسيطة حول تفاعلات غير مسبوقة، وتوصيف لحيوية ديبلوماسية واستراتيجية لها ما قبلها وسيكون لها ما بعدها، في منطقة غرب المتوسط) إسبانياو المغرب والجزائر)، وفي شرقه (فلسطين ليبيا والخليج)، وفي شمال إفريقيا والساحل جنوب الصحراء…
نتابع كيف تلتقي في العاصمة الرباط روافد ماراثون ديبلوماسي متعدد الأطراف، تندرج كل تحركاته في دينامية متجددة، تدل على تحولات غير خافية في غرب المتوسط وشمال إفريقيا.
1 – في الراهن المباشر هناك زيارة أنطوني بلينكن، التي جاءت على هامش مشاركته في ثلاث قمم غربية كبرى، في بروكسيل، شملت الحلف الأطلسي ومجموعة السبع والاتحاد الأوروبي.
ولم يترك المغرب الفرصة، وهو الذي كان يعرف المواعيد، بدون أن يقوم بخطوة ديبلوماسية للتذكير بموقفه من الاصطفافات الكبرى. وذلك بالمكالمتين الهاتفيتين مع وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا في بداية الأسبوع الذي نودعه…
ولم تكن هناك حاجة في ما يبدو للكشف عن مضامينهما، بقدر ما أن الحدث في وجودهما بحد ذاتهم، في انتظار التفاعلات الكبرى حول الصراع الحاصل والتموقعات بخصوصه !
ولعله يمكن في التذكير بالمسافة بين العاصمتين كييف وموسكو، من جهة وبين الحرب والتحالف القائم حولها غربا من جهة ثانية.
جزء من أجندة الوزير الأمريكي، له علاقة مباشرة بالرباط، ولعل فيه إعادة تنشيط جدول الأعمال الذي سبق أن ناقشه مع نظيره المغربي في الزيارة السابقة( نونبر 2021)، بل إن النقط الأربعة الواردة في تصريح الناطق الرسمي باسم الخارجية نيد برايس هي نفسها الواردة في البلاغ الذي ختم لقاء الوزيرين إياه..
لكن الواضح أن الذي لم يتم إخفاؤه هو اللقاء مع القادة الإماراتيين، وهو لقاء ورد الإعلان عنه من طرف الوزارة، ويأتي في ظرفية يشوبها غير قليل من الغيوم بين الإمارات وحليفها الأمريكي…
هناك قسم أساسي، في الاتفاق الثلاثي الذي رعته أمريكا، ويهم المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة، يتعلق بالقضية الفلسطينية والثوابت التي تتعلق بها، وهنا أيضا لا يمكن أن نسقط من دائرة الاهتمام حضورها في المحادثات بين المغرب وأمريكا، وكذا بين الولايات المتحدة والإمارات، ومستقبل ما يصدر من أخبار عن لقاءات تهم فلسطين وإسرائيل في الزيارة الأمريكية إلى المنطقة…
المصادر الخارجية الإسرائيلية تتحدث عن «قمة تاريخية« بين المغرب وإسرائيل والإمارات وأمريكا…ولا يمكن أن يكون كذلك إلا إذا كان فيها بداية تحول إيجابي استراتيجي ليس أقله وضع حل الدولتين على بساط التنفيذ كما يريد المغرب…
4 ـ بعض التحولات ذات صلة بالراهن المتسارع، أهمها الموقف الاستراتيجي الإسباني من القضية الوطنية، والتي غيرت من المناخ العام، وكذا من الحسابات الجغرافية السياسية في المنطقة وما سيتتبع ذلك من مستقبل قريب ومتوسط، بل حسمت بواسطتها إسبانيا موقعها من التغيرات الجارية، ومن قراءتها لمستقبلها في المنطقة، الزيارة الحالية تأتي أياما قبل زايرة وزير خارجية اسبانيا ألباريس،…لا ننسى أيضا أنه التقى به في واشنطن قبل تغيير. مدريد لموقفه بقرابة عشرة ايام !
5 ـ دينامية التحول الإسباني قد تجد جذورها في الأزمة التي مرت بها العاصمتان المغربية والإسبانية، لكن لا يمكن فك الارتباط بينها وبين التحولات الدولية بخصوص القضية الأولى للمغرب وأدواره الإقليمية، بدءا من الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، ومواقفه في عملية السلام العربية الإسرائيلية…
وهو تحول، متوافق عليه بين المغرب وواشنطن، وله تبعات أساسية، أولها تغير الموقف من الشراكات الأوروبية نحو الأفضل.. والفرصة التي تفتح اليوم أمام الحل العادل والدائم والواقعي في قضية الوحدة الترابية المغربية، تقوَّت بما قدمته ألمانيا ـ القوة الكبرى في التكتلات الثلاثة التي حضر بلينكن قممهاـ من مواقف وتشجيع لإسبانيا على القراءة الجيدة لتقلبات الجغرافيا السياسية في المنطقة…
6 – بعد محاولات التأثير سلبا على هذا التحول، لاسيما من طرف ألمانيا وإسبانيا وجوارهما الحيوي، أصبحت هذه القوة داعمة بوضوح للتغير الإيجابي ممثلا في دعم المواقف المغربية. وهي توجد اليوم في طور تحولات قوية، لا سيما ألمانيا وانتقالها العسكري الجديد وأدوارها في الناتو وفي الاتحاد الأوروبي ومجموعة الـ 7.
أما إسبانيا فستكون عاصمة قمة الحلف الأطلسي، في يونيو القادم وستكون بوصلتها مضبوطة على توجهه، سواء في الموقف من التواجد رسميا في المنطقة المتوسطية أو من حيث توترات الإقليم المتوسطي في حسابات الناتو ، الذي سيناقش ورقة حول «المفهوم الجيوستراتجي الجديد» ، وهي الورقة التي تطلب اعداها قرابة سنتين وستكون موضوع مناقشة بين طهراني مدريد.،.
7 – لم تبدأ هذه الديناميات مع ما يقع في جوار البحر الأسود، وعلى الحدود الغربية الروسية، وتصاعد النزاع، بل هناك تسارع تاريخي جعل الكثير من الحسابات تتغير، ولم تعد روسيا البلد الذي لا تأثير له في المنطقة، بل إن تواجدها في ليبيا وفي سوريا، وفي مالي عبر قوات غير رسمية، وتواجدها في القاعدة البحرية الجزائرية قرب وهران، كلها عناصر تفكير استراتيجي جديدة لدى الولايات المتحدة ولدى حلفائها، تدخل في الحسبان.
8 – تأتي الزيارة الجديدة للمسؤول الأول في خارجية الولايات المتحدة الأمريكية بعد زيارة نائبته «ويندي شيرمان« التي شملت مصر وإسبانيا كذلك، والواقع أن جدول الأعمال كان هو نفسه، اللهم إلا الحوار الاستراتيجي بين واشنطن والمغرب والجزائر، كموضوع خاص بالبلدين …
في المقابل ، يبدو الاستقرار الإقليمي والأمن في المنطقة، من عناصر الزيارة الجديدة، بل إن المسؤول الأمريكي لا يمكنه أن يلغي من الأجندة التفكير في المشكل الإيراني وما يرخيه من ظلال على المنطقة، لاسيما بعد القرار العربي المتعلق بتهديداته في المنطقة..
9 – المغرب سيحتضن في ماي المقبل قمة «التحالف الدولي المناهض لداعش»، وهو بحد ذاته برنامج متكامل أمني سياسي استخباراتي، للمغرب فيه دور مركزي، إن لم نقل الدور المركزي بخصوص منطقة الساحل وجنوب الصحراء وشمال إفريقيا…
هذه الديناميات ليست متنافرة أو مرتبة على بعد جغرافي وزمني كبير، بل هي تتفاعل في ما بينها، وللمغرب زاوية معالجته التي تنصت إليها العواصم المعنية…
نستحضر امتحان التعددية الجيوـستراتيجية في الشراكات الدولية مع العواصم المتناحرة حول الحرب الحالية،( بيكين، موسكو، واشنطن بروكسيل) ونستحضر أيضا امتحانات سابقة في تحولات كبرىي في خارطة العالم (عالم ما بعد سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي،89ـ 91، وعالم ما بعد الربيع العربي 2011 ) وهي تحولات كانت للمغرب فيها مواقف وقراءات خرج منها رابحا، ولا يقل ذكاؤه الاستراتيجي حاليا عن السابق في قراءة وتفكيك »كود ـ شيفرة العالم الذي يُبنى حاليا..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 26/03/2022