المغرب، والهجرة والاتحاد الأوروبي

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

أكدت المفوضة الأوروبية المكلفة بالشؤون الداخلية، يلفا يوهانسون، يوم أمس الثلاثاء، أن المغرب يعد «شريكا محوريا» بالنسبة للاتحاد الأوروبي في إدارة الهجرة، والذي يحافظ التكتل معه على تعاون «متين وموثوق».
1ـ التصريح يذكر بآخر سبق أن أدلى به الممثل الأسمى للاتحاد الأوروبي في الشؤون الخارجية وسياسة الأمن ونائب رئيس المفوضية جوزيب بوريل، الذي دافع عن شراكة أورومغربية من أجل الرفاه المشترك، وقتها أعلن الاتحاد الأوروبي عن تخصيص ما يفوق 380- مليون يورو (قرابة 380 مليار سنتيم مغربي) كدعم للمغرب …
2ـ في السياق ذاته أعلن المفوض الأوروبي المكلف بالسياسة الأوروبية للجوار وتوسيع الاتحاد، أوليفر فاريلي ، الذي زار بلادنا في مارس الماضي، أن المغرب محوري في محاربة مهربي البشر والمتاجرين فيه، وحماية المهاجرين ودعم سياسة مشتركة في الهجرة.. وقتها وقع المغرب والاتحاد الأوروبي على اتفاقية تتعلق بـ 5 مشاريع بقيمة إجمالية بلغت 5.5 مليارات درهم (حوالي 500 مليون يورو).
3ـ الجديد في المناسبة هو أن تصريح المفوضة يأتي في سياق تقديم مخطط الاتحاد الأوروبي الجديد لإدارة طرق الهجرة في غرب البحر الأبيض المتوسط وفي المحيط الأطلسي، وهو ما ظل عنصر تفاوض أوروبي ـ أوروبي لمدة غير قصيرة. ويأتي التصريح كذلك في أفق انعقاد الاجتماع القادم لمجلس «العدل والشؤون الداخلية»، يومي 8 و9 يونيو، والمجلس الأوروبي في 29 و30 يونيو.
وهو الموضوع (الهجرة وطلب اللجوء) الذي وضع أوروبا نفسها في طريق مسدود، كما تم التعبير عنه مرارا وتكرارا، ويعتبر موضوعا كانت فيها خلافات دقيقة بين دول الاتحاد الأوروبي وما تنتظره الدول الشريكة..
4ـ بالنسبة لما يهمنا من طريق الهجرة في البحر المتوسط غربا وفي شمال إفريقيا، ويهم مخطط عمل الاتحاد الأوروبي الجديد لإدارة طرق الهجرة في غرب الحوض المتوسطي والمحيط الأطلسي، على الخصوص، العمل على منع الهجرة غير النظامية من خلال مكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر، لاسيما من خلال تنفيذ الشراكة التطبيقية لمكافحة تهريب المهاجرين مع المغرب.
وهنا يجب التأكيد أن نقطة الوصول هي إسبانيا، ونحن نعرف التوترات التي ارتبطت بها في لحظات حاسمة، والوصول غير القانوني للمهاجرين إلى إسبانيا يجعل هذا البلد هو الذي يقدم التقييم المناسب، وفي هذا الصدد صدر الحكم الإسباني بهذا الخصوص حيث عرف انخفاضا واسعا وكبيرا قدرته وزارة الداخلية الإسبانية بنحو 25,6% ، وهو طريق سالك بواسطة الطرق البحرية أو عبر البر، انطلاقا من السليبتين سبتة ومليلية، وهي طريق المهاجرين المغاربيين، ولا سيما الجزائريين، والكثير من المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء للوصول إلى أوروبا.
وهذه النقطة ترتبط بالأمن وبالعنف كما ترتبط بالهجرة، ونحن نذكر فصول الحوادث التي وقعت على حدود مليلية المحتلة..
وفي هذا الصدد، أعربت يلفا يوهانسون عن شكرها للسلطات المغربية على «التزامها البناء للغاية»: وشددت «نرغب في دعم جهود المغرب لمكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر معربة عن استعداد الاتحاد الأوروبي لدعم هذه الجهود من خلال وكالاته وموارده.
5ـ في المقابل لا يمكن أن نلغي من الحسبان أن التصريح يتزامن مع رسالة البرلمان المغربي من خلال رئيسي الغرفتين إلى رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا، والتي أكدا فيها موقفا ديبلوماسيا مغربيا هو الدفاع المشترك عن الشراكة الثنائية، بحيث ركز البرلمان المغربي بغرفتيه على أن الشراكة الفريدة بين المغرب والاتحاد الأوروبي «تلزمنا بالعمل باحترام وعزم» وهوما يعيد إلى الأذهان الأجواء التي طبعت العلاقة بين المؤسستين منذ قرار 19 فبراير الماضي، ودور السيدة الرئيسة خلاله.!!!
رسالة رئيسة البرلمان الأوروبي أكدت فيها على «إرادة مشتركة تتمثل في الحرص، أيا كانت الظروف، على مواصلة الحوار بين مؤسساتنا التشريعية لما فيه مصلحة الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، والتي ندركها جيدا»، ولعل الرسالة المغربية هي أول جواب رسمي، (حدث في 2 مايو الجاري) منذ القطيعة بين المؤسستين، وهو ما يعطي للتصريحات الصادرة عن المسؤولين التنفيذيينفي اوروبا الموحدة كل المعنى ! وما يجب أن نستخلصه أمرين اثنين:
أن التركيز على مواصلة الشراكة «مهما كانت الظروف» لتستحق التوضيح: هل المقصود من ذلك مهما كانت ظروف التقدير السياسي والإنساني، والذي يمكن أن يحدث حتى داخل الاتحاد الأوروبي أم تعني مهما كان الظلم الذي يقع على المغرب؟
والثاني، هو كون التغير الذي حصل في تقدير المؤسسات الأوروبية للهجرة، من القرار الذي أدان بلادنا في الخلاف مع إسبانيا عقب ازمة ابن بطوش، يجب أن يحصل في القضية الحقوقية، ما دام الشريك نفسه حصل معه تغير جوهري في القضية الأولى من الإدانة إلى الإشادة العالية وتقدير نموذجية سياسته في المجال، وأوروبا أمام نفس العقل السياسي عند نفس الدولة التي يدبر معها الشراكة والتي تعمل «بمعايير قريبة من الاتحاد الأوروبي» بلغة المكلف بالتعاون وتوسيع الاتحاد!
ومطلوب من مؤسسات الاتحاد الأوروبي أن توحد «نوتاتها» السياسية وتغادر منطقة التناقض بين البرلمان وبين الجهاز التنفيذي، وإلا كانت مثالا لتناقضات الكيانات المتعثرة سياسيا..!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 07/06/2023