المغربان: الواقعي و الافتراضي بسرعتين!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

عشنا في الفترة ما بين 8 شتنبر و15 منه أسبوعا من الأحداث الاستثنائية وتداعياتها تفرض فرادة في المعالجة…..
تفرض أن ندعو الله أن يرينا الحق حقا وأن يرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، ولهذا نعرف بأن بلادنا قطعت أشواطا كبيرة ولها طموح كبير، بدأ في جزء منه قبل أن تكون هاته الحكومة بل قبل أن »يلتزم« بعض الوزراء بالشأن العمومي! حديثنا عكس ذلك، عن أسبوع فقط من المغرب الحكومي .
في 8 شتنبر الأولى عادت إلى أذهاننا ذكرى الزلزال الأكثر مأساوية في تاريخ المغرب الحديث: وكانت المناسبة أن نستعيد كل عناصر القوة الكثيرة، في تدبير الزمن الاستعجالي للزلزال، ونقط الضعف، في تدبير الزمن الممتد من حيث إعادة الإعمار وتأهيل التراب الأطلسي المنكوب.
وقفنا، خلالها، على مغرب واقعي، ما زال يجتر آثار الكارثة، وتحقق الذين نسوا هذا المغرب الواقعي أن نسبة التأخير ما زالت بعيدة.
وحدها الحكومة تحدثت بيقينية كبيرة، جعلت ما هو واقعي يدخل حيز الافتراض، وما هو افتراضي عندها يتمسَّح بالمغرب الواقعي!
في 8 شتنبر الثانية عشنا الفيضانات والسيول المدمرة والحيوات التي ضاعت والأشخاص المفقودين، وكل ما انهار وذهب مع المجاري الهادرة!.
عرفنا مغربا واقعيا ما زال بعيدا عن زمن التحديث والتأهيل، مغرب جارح في قسوته، هناك على الجانب الأيسر من ظهر الأطلس، في الجنوب الشرقي وعلى حافة التراب الوطني.
وكانت الحكومة غائبة، دافئة في عالمها الافتراضي، بعيدا عن مغرب لم تر جدوى في الحديث عنه، ولو كان حديثا في وقته عن عدد الضحايا والخسائر.. حتى أجبرها المغرب الواقعي على ذلك..
وراهنت على النسيان والعادة، وعلى أفجعة جديدة تنسينا ما كنا فيه!
بعد أسبوع في 15 شتنبر، وقعت حادثة الفنيدق المزلزلة، التي لا تقل درجات هزتها عن رجات الأرض في الجنوب وفي الأطلس..
وحدث التحول، فرأينا كيف أثبتت حادثة الفنيدق الرهيبة، أنه لا فرق بين الواقعي والافتراضي عندما يتعلق الأمر بصناعة الغضب والفاجعة ومواجهة شروخات المجتمع!
بل صار للافتراضي قوة صناعة الواقعي، وتابعنا كيف تحوَّل ما هو في عداد الهلامي واللامادي، إلى قوة مادية مزلزلة للوضع الاجتماعي، وقادر على خلق معادلة اجتماعية مربكة، وحالة ذهنية مشوشة وتحد سياسي رفيع!..
بمعنى أن ما يكون في حالة افتراض، ومجرد حالة ممكنة من داخل الوساطة الاجتماعية التقليدية، يتحول إلى فعل مادي قوي، وظاهرة سوسيو سياسية ذات حمولة تسائل المجتمع كله، يتحول كذلك إلى وظيفة، يستعملها المستفيد الأول أو من وراء الشاشات البعيدة، ويتحول إلى دوْر !
إننا أمام عالم افتراضي يملك كل خصائص الواقع إذن.
وقد سبق لهذه الوسائط التي تُهيكل العالم الافتراضي أن قدمت عروضا سياسية اعتادت هياكل المجتمع من أحزاب ونقابات تقديمها. وليس في الأمر ما يفزع، بل كانت الدولة، في موقع المتجاوب معها في ما خصَّ 20 فبراير مثلا، وما عُرف بقضية البيدوفيلي الإسباني الشهيرة، ولطالما لمسنا تفاعلها مع عروض العالم الافتراضي، عندما يكون قائما على مطالب لها تأثيرها في توازنات المجتمع أو توازنات المؤسسات وعملها..
من الممكن أن يخرج من الافتراضي ما هو واقعي جيد وإيجابي، كما يخرج الميت من الحي.
كما يمكن أن يتحول الواقعي إلى افتراضي، لا جميل فيه ولا شيمة:كما تفعل الحكومة عندما حولت المغرب الواقعي إلى واقع افتراضي لا يوجد سوى في ذهنها.
ما تعلمناه من الحدث ومن ما شابهه، هو أن الفارق بين الفضاء المادي والفضاء الرقمي لم يعد موجودا. بل إن الفضاء اليومي المعيش صار مشبعا بما يقترفه الواقع الافتراضي. و»رقمنة «الواقع لا تعني بأنه يصبح واقعا لا ماديا،.. بل بالعكس إنها تزيد من شحناته، ومن قدرة نقله على التأثير في المتلقي وتطرح معالجة موضوع الثقة الذي ينقص الهياكل التقليدية من القوة في الإقناع …
أما العالم الافتراضي الذي تبينه الحكومة من نوع خاص!
واقع موسوم بنكران الواقع الحي جملة وتفصيلا:لا غلاء ولا فشل في التشغيل ولا معضلات اجتماعية…
الإضرابات غلو طبقي.
آهات الناس سوء فهم أو توظيف عدائي.
الحكومة تقود الثورات، بعد أن مات الثوار، وتواصل المقاومة بعد أن تم حل جيش التحرير، وما يعيشه المغاربة في نصف الولاية الحالية لم يعيشوه في 50 سنة من الاستقلال .. إلخ من مقومات الخطاب الافتراضي للحكومة.
في حين أن المغرب الواقعي الذي بين أيدينا يقول لنا بأن لنا في بلادنا ما نفتخر به، وأن قضية التنمية البشرية ما زالت مطروحة علينا بقوة، وعلينا أن نملك الشجاعة لنقول الحقيقة كما هي….
تماما كما يفعل ملك البلاد.
وأن الدولة الاجتماعية لا تواجد. لها بدون مستشفى للجميع، وبدون مدرسة يدخلها الأطفال والقاصرون من الذين ضخَّموا قوافل الفنيدق وسيواصلون ذلك تحت أشكال أخرى..
وبدون شغل قار، في بلادنا وصلت فيها البطالة في الطوابير التي رحلت إلى مرتفعات المضيق قرابة 30 في المائة.
هذا هو المغرب الواقعي الذي يحسن بحكومتنا أن تتعامل معه بقوة وشجاعة. ومسؤولية.
المسؤولية عندما تتحملها ليست اتهاما، أو تراجيديا بل هي وضع دستوري قائم وقيم ديموقراطية، ومن لم يشعر بها في حالات المآسي، أيا كان موقعه، ليس أهلا بهذا البلد !

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 20/09/2024