المغرب الآمن، لاعب إقليمي مركزي -2-

في تلاقي الديبلوماسية والاقتصاد، يوجد دوما ملتقى طرق، بين التاريخ والراهن، كذلك يحدث عندما نعود إلى اعتراف السلطان محمد بن عبد لله، السلطان محمد الثالث في الدولة العلوية، باستقلال الولايات المتحدة.
فالاعتراف، بما هو فعل سيادي كان ديبلوماسيا، له علاقة بالسياسة الخارجية للدولة المغربية في القرن الثامن عشر.
توالت الحوليات الديبلوماسية بالشكل الذي جعل اتفاقية السلم والصداقة توقع في 1786 وتتم المصادقة عليها من طرف الكونغريس في يوليوز 1787، وولدت بذلك أول علاقة ديبلوماسية بين الولايات المتحدة وبلد عربي مسلم إفريقي…
إلا أنه، في الوقت ذاته، منح الاعتراف للأمريكيين وتجارهم البحريين بالخصوص، الحق في ارتياد المياه والبحار المغربية والحق في الرسو بموانئ المغرب وشواطئه. …
وقد اتضح، من بعد، أن الهدف بالأساس كان، في جوهره، اقتصاديا وتجاريا بالمعطى التقليدي وقتها…
قد نكون أمام إغراء المقارنة، ونجد أنفسنا، في خلاصة اللحظة السريعة، نرى أن نفس الاستراتيجية تعود بقوة وبوضوح يليق بالقرن العشرين والقرن الواحد والعشرين…
وعليه، وبعيدا عن الاحتفالية التي تصاحب الإقرار بهكذا اعتراف، من طرف كل الرؤساء الأمريكيين الذين تعاقبوا على البيت الأبيض، فإن الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على صحرائنا المسترجعة، لن يكون بوابة للمغاربة لكي يدخلوا الفضاء الاقتصادي والموانئ الأمريكية، بل سيذهب في نفس الاتجاه الأولي، أي اعترافنا باستقلال أمريكا، وسيفتح الباب أمام الأمريكيين من جديد لكي يذهبوا بعيدا في الاستفادة من الديبلوماسية على أرض إفريقيا…
بعيدا عن الحمولة السياسية لهذه العودة إلى التاريخ، وأيضا بقاء هذا المنطق في الصداقة بعد قرنين، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن هذا البعد الاقتصادي، والشراكات من خارج أوروبا ، قد صار زاوية لمعالجة الدور الذي يلعبه المغرب…
لن نطيل حول القدرات التكنولوجية والعسكرية، التي تتطلب سندا اقتصاديا قويا، كما هو حال إطلاق القمر الإصطناعي وفتح شبكات للاتصالات وتكنولوجياتها، ولا المساعدات في محاربة الإرهاب، في النيجر ومالي، وفي الحوض المتوسط، الذي يستوجب بدوره إمكانيات ضخمة مع التطور الأخطبوطي للإرهاب، وسيكون من المفيد التنبيه إلى وصول الأمريكيين عن طريق الاعتراف وفتح القنصلية في الداخلة، وترابط ذلك مع طبيعة العلاقات التي بناها المغرب في القارة، ولا سيما في المحيط الغرب إفريقي، وماصاحبها من تحول في التعامل مع الشق الأنجلوساكوني للقارة، الذي ظل في المرتبة الثانية من المجهود الديبلوماسي والمتعدد الأقطاب.
بالنسبة للغرب الإفريقي، ستشكل الداخلة أيضا أرضية تجارية ولوجستية للمنتجات القادمة من هذه المنطقة وعبورها نحو أسواق أوروبا وأمريكا الشمالية.( نفهم هنا السخط الذي أحدثته فلول الانفصاليين في الكركرات عند قطع الشريان البري لعلاقات أوروبا وإفريقيا ).
كما أن التواجد البنكي والمالي جعل من المغرب، في أرض القارة، بلدا مؤهلا ليكون منصة جهوية في المجال، ومن هنا لا يمكن إلا أن نتفق بأن التمثيلية الديبلوماسية، ممثلة في قنصلية أمريكية، ستكون تمثيلية ببعد اقتصادي وحلقة وصل للاقتصاد الأمريكي ومؤسساته للاستثمار، مما سيعزز دور المغرب كرائد اقتصادي على المستوى الإقليمي، ويكفي هنا إشارة سبق للفاسي الفهري أن أثارها، وهي أن المغرب هو أول بلد مستقبل للاستثمار الأجنبي المباشر بالقارة الإفريقية، وعليه فإن الاستثمارات الأمريكية ستعزز بشكل أكبر هذا الموقع.»…
بعد عشرين سنة من التحديث والإصلاح، يمكن القول إن البلاد حققت رأسمالا ديبلوماسيا واقتصاديا وأمنيا وروحيا، بالاقتصار على هذه العناصر لوحدها، مكنها من التأثير في الدينامية الإقليمية والقارية، وصارت مخاطبا ذا مصداقية وجدية من طرف عواصم العالم، كما تمكنت من تنويع شراكاتها الاستراتيجية، باستقلالية معلنة على لسان قائدها الأول ورئيس الدولة (قمة الرياض).