المغرب الصين: الأسد واستراتيجية التنين

عبد الحميد جماهري

توقيع خطة تنفيذ التعاون بين المغرب والصين في إطار مبادرة الطريق والحزام، أو مزاج واحد وطريق واحد، يعد خطوة في طريق الألف ميل التي قدمتها الصين.
الصين هي التي عرضت حكمتها، منذ بداية القرن، بأن طريق الألف ميل تبدأ بخطوة، وفي هذا العرض مع ذلك ما لم يسبق للبشرية أن عرفته وربما لن تعرفه .. إلى حدود منتصف الألفية الحالية.
مبادرة الطريق والحزام هي استعادة حديثة لتاريخ الصين العريق في التجارة العالمية، الذي عبرت به القرن التاسع عشر تحت مسمى طريق الحرير، طريق ماركو بولو وابن بطوطة ورجالاتها الذاتيون.
العرض الصيني يتمثل في أكبر مشروع للبنيات التحتية في تاريخ البشرية، سواء بنيات التواصل والطرق البرية والبحرية، أو في بنيات أخرى صناعية وتكنولوجية وصحية وتعليمية إلى غير ذلك من البنيات التحتية الضرورية لضخ جرعة جديدة من الثقة في نظام عالمي اقتصادي بدأ تشقق الثقة فيه واضحا مع الوباء ومع فوارق الطبقات والدول والشعوب…
كان الرئيس الجديد، سليل الطبقة الوسطى التي جافتها الثورة الثقافية ذات صين صعبة، قد أطلق مشروعه في زيارته لكازاخستان في 2013، وكان الحلم الصيني لتغيير وجه العالم في بدايته، ولم تمر إلا 3 سنوات، حتى كان ملك المغرب في بيكين لزيارة صاحب المشروع.تحت عنوان بالبنط الجيوستراتيجي الكبير«: تنويع الشراكات الاستراتيجية«، بما يعني انفتاح المغرب على قوى دولية غير القوى الحليفة المعتادة غربا وشرقا…
2016 – 2017 بدأت أولى نتائج هذا القرار عبر رفع التأشيرة عن السياح الصينيين، مما رفع عددهم إلى ستة أضعاف العدد المعتاد، ثم تحول شركات صينية كبيرة من قبيل شركة بناء المواصلات الصينية المعروفة برباعيتها الأبجدية cccc، ثم انطلق قطار التعاون بسرعة بلغت أضعاف ما كانت عليه، وتحقق في نهاية السنة التي نودعها رقم مبادلات قياسي بالنسبة لعدد السنوات التي تطلبها حيث بلغ 6 مليارات دولار! وصارت الصين عمليا ثالث شريك تجاري للمغرب…
تبين من بعد أن التعاون أخذ شكلا استباقيا مع كوفيد 2020، حيث سارع المغرب إلى عقد اتفاق تحت رعاية الملك شخصيا لاستباق ظروف الوباء، وأقام المغرب استباقيا سوره الصيني في وجه الوباء، منذ بدايته، وسيتوج ذلك بالتواصل بين محمد السادس و شي جين بينغ، في غشت 2020 وفتح الباب للتعاون الاستراتيجي في مجال الصناعات البيوتكنولوجيا، ثم في ترصيد السيادة الصحية من خلال الانفتاح على الشرق الأسيوي الصاعد..
ماذا يقدم المغرب للصين، وماذا سيربح معها؟
في الواقع لدى المغرب رزنامة جغرافية وسياسية وبشرية تغري الصين، التي تضع لكل مجال معادلاته الحسابية المنوطة.
أولا، يقدم المغرب موقعا جغرافيا ليس لدى جيرانه ، أوله البحران المتوسط والمحيط ، مع معبر جبل طارق، الذي يعد ممرا استراتيجيا في عالم اليوم، وثانيه المغرب نقطة تلاقي بين قارتي إفريقيا وأوروبا، ثم ثالثه دائرة تلاقي أربعة دوائر جيواستراتيجية، وهي غرب المتوسط، ومجال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء والساحل والشرق الأوسط.
ويقدم في أصل كل ذلك، وبالرغم من تعدد المعادلات في جغرافيته، استقرارا سياسيا منتجا تمت تنميته سياسيا واقتصاديا ، وترابيا بشكل يبعث على الثقة من لدن الشريك الصيني وغيره…
وهو إلى ذلك يقدم نفسه كشريك له وضع اعتباري متقدم مع الاتحاد الأوروبي ثم مع الولايات المتحدة عبر اتفاقية التبادل الحر….
وإلى جانب ذلك، تريد الصين منصة إفريقية ، تطل على أوروبا، ولها امتدادات عمليا في إفريقيا، وكذلك مما يتيحه من خلال شبكة الأبناك المغربية التي ترى فيها الصين مرافقا ماليا جديرا بالثقة بالنسبة لشركاتها ومقاولاتها العابرة للقارات…
في الاتفاقية الموقعة محطة تنفيذ، يعرف المغرب حاجياته من الصين، في الولوجية إلىالتمويل الصيني لمشاريعه الكبرى…
ولا بد من القول إن المغرب يعرف ما يريده من الصين، التمويل، ويعرف الهدف أي المشاريع الكبرى، وهو في ذلك ينتظر من بيكين التعاون على تسريع صناعاته الوطنية الكبرى، بالإضافة إلى مرافقته في بنياته التحتية الطرقية الكبرى، والتي تم الإعلان عنها في أكثر من خطاب ملكي، وفي أكثر من مشروع للارتقاء بطرق الحياة الجديدة، علما أن المغرب يملك شبكة طرقية محترمة كانت من عناصر الإغراء بالنسبة لصاحب القرار الصيني..
والواضح أن المغرب يمتلك «استراتيجية الصين،» أي له خارطة طريق واضحة في التعاون مع التنين الصيني بجانبه، سواء من خلال الاستفادة من خبرته التكنولوجية أو من خلال الاستفادة من تمويلاته في تنمية المشاريع الاقتصادية الأساسية في استراتيجيته وأيضا من خلال تحرير قراره الاقتصادي من التوزيع القديم للعمل الدولي، والذي جعل بلدا كفرنسا لا تستسيغ حرية القرار في الإنماء المغربي بعيدا عن باريس ومحمياتها العسيرة الهضم…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 07/01/2022