المغرب الكبير: «السلفية» الاستراتيجية لدولة الجيران والباب المسدود 2/1
لم يجتهد الرئيس الجزائري، كثيرا، في البحث عن تسويغ التحرك الديبلوماسي لبلاده، في شمال إفريقيا، وبالذات في المحيط المغاربي بمحاولة معاكسة المغرب، سوى بإنكار الواقع الذي يظهر واضحا للعيان.
فالعبارات التي استعملها الرئيس في حواره الأخير مع إعلام بلاده، لم تسعفه في إخفاء مادية الوقائع التي تتراكم لتبرهن بالملموس على النوايا الحقيقية الدائمة في محاولات عزل المغرب أو محاربته أو مناوءته…
فقد سعى إلى تقديم مبادرات نظامه إلى تكوين تكتل رباعي يدعو تونس وليبيا وموريتانيا والجزائر إلى حلف سياسي في شمال القارة ، بأنه سعي بريء، يستجيب لإرادة إفريقية عبرت عن نفسها بسؤال استفساري ( وين راكو؟)!
وفي السياق يستبعد حتما أن يطرح الأفارقة سؤالا من هذا القبيل، وهم يتابعون تفاصيل الفعل الديبلوماسي الجزائري ضد المغرب في كل محطة من المحطات يكون فيها اختيار ممثل من شمال إفريقيا موضوع أجندة قارية أو دولية. ولعل المثال الحي والحديث هو تكسير القاعدة القارية في تقديم مرشح واحد عن منطقة شمال إفريقية في استحقاق دولي، وذلك بمناسبة رئاسة المجلس الأممي لحقوق الإنسان..
وقد ظهرت الحمى الجيوستراتيجية المزدوجة للناطق باسم العسكر في الجزائر ونظام جنوب إفريقية في تفويت الفرصة على المغرب.
الأفارقة يعرفون أن المقابل الذي قدمه المغرب هو صبر أيوب السياسي والجغرافي في عدم الرضوخ لكل أناشيد الحرب وأغاني المواجهة التي تطلقها حوريات قصر المرادية!
الأوروبيون أنفسهم عاشوا هاته التجربة، في غياب مخاطب مغاربي موحد بالرغم من الإصرار المغربي على تشكيل لجنة مشتركة تتولى الجزائر ضبط رئاستها ومواضيعها، عرضها الملك محمد السادس في خطاب علني، وإلحاحه على تفعيلها في خطب أخرى.. أمام جدار مسدود ليس من ورائه سوى الأفق المسدود.
وتستثمر الجزائر في تاريخ العدوان أكثر من الأهمية الاستراتيجية للمنطقة أو توحيد خطابها، ولم تجد من صيغة لمحاولة بناء هوية استراتيجية للمغرب الكبير سوى بإقصاء المغرب!
وإن النخبة الحاكمة التي لا تتردد في جرح العاطفة الوطنية للمغاربة بوصف بلادهم بدولة الاحتلال وتعتبر أن العالم كله ساحة حرب ضده، ولا تتورع عن تسليح الهجمات من كل نوع، وتحويل العدوان إلى المغرب دليلا وراثيا على الوطنية الجزائرية المفترى عليها، هي النخبة نفسها التي تعمل على تدوير الوصفات الكلاسيكية، بما يشبه السلفية الاستراتيجية، باعتبار أن الماضي وديبلوماسيته هو الوحيد الكفيل بتقديم الأجوبة عن ضياعها في عالم متغير.. عالم تفقد فيه مواقع قدم شرقا وغربا، وفي الجوار الإفريقي المباشر، وتتعالى فيه بخطاب مغرق في »التوحد« السياسي وتعمل كل ما في وسعها حتى فقد الكيان المغاربي أية أهمية استراتيجية كانت له!
وهذا الماضي يتراءى لنا اليوم، من خلال المبادرة الحالية، وهي محاولة، تعيد إلى الذاكرة ما كان نظامها قد سعى إليه من خلال «معاهدة الإخاء والوفاق» بين الجزائر وتونس وموريتانيا سنة 1983. في سعي واضح لبناء محور يعزل المغرب وليبيا معا، بعد أن مال المرحوم القذافي إلى فكرة الاتحاد العربي الإفريقي.!
ومحاولة مثل هاته للأسف، توالت من قِبل الديبلوماسية، بحركات مقصوصة الأجنحة وذات آفاق ضيقة، حيث حرضت النهضة التونسية وحزب ديني سياسي جزائري، صار زعيمه مغضوبا عليه اليوم، على ثلاثية مغاربية تستفرد بالمغرب!
ونذكر هنا، مارس سنة 2021، والذي عرف وقتها مبادرة مشابهة مع فارق في الأرقام المقدمة. وقتها خلقت تصريحات راشد الغنوشي، قيادي الحزب الإسلامي التونسي« النهضة ،» رجة كبيرة في أوساط مغاربية متعددة، هالها أنه يدعو إلى« ائتلاف ثلاثي بين تونس والجزائر وليبيا »كنواة مُحيَنة للحلم المغاربي الكبير، الذي انبنى على خماسية تضم المغرب وموريتانيا علاوة على الثلاثي المذكور.
وجاءت هذه الدعوة في وقت تعيش فيها المنطقة على صفيح ساخن، مفتوح على كل التوقعات من جهة، وتسير كل دولة من الدول المذكورة فيه، حسب مدار سياسي وإقليمي متراكب ومتشابك بالنسبة لكل واحدة منها، من جهة ثانية.