المغرب – فلسطين، وثوابت القضية ..
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
… وإسرائيل تصر على تذكير العالم الحي، وفي قلبه الدائرة العربية السامية، ومناصري العدل والحرية، بأن النكبة مستمرة في الزمن، يصر المغرب على الثوابت التي لا يحيد عنها في دعم المسيرة التحررية لأرض فلسطين وفي قلبها القدس الشريف.
شعبيا، ما زال المغرب وفيا للتعبير التضامني الحاشد والعميق،
ورسميا، يواصل المغرب تصريف الحشد العاطفي والتعاطف الواسع عبر مبادرات ذات دلالات ثابتة ومستمرة.
بادر المغرب، في الساعات الأولى للعدوان على الحرم المقدسي، ثم في الهجوم العنيف على الفلسطينيين في كل أراضي بلادهم المستعمرة، إلى التعبير عن الرفض المطلق للعدوان ولكل أشكال العنف والتقتيل، واعتبر ذلك طريقا إلى الباب المسدود، الذي يغيب كل فرص السلام.
واصل المغرب المبادرة، من أعلى قمة لجنة القدس وبيت مال القدس، بحيث قرر ملك البلاد إرسال المساعدات التي يحتاجها أهلنا في فلسطين عند الشدة وعندما تزداد وحشية القصف وتتعدد مشاهد التقتيل.
منذ عقود والمغرب يتولى هذا المجهود الوطني، الدائم والمستتر، الذي يعرفه أهله وأهل فلسطين.. ويتولى قسطا واسعا، تتلكأ أحيانا الدول الغنية في الالتزام به !
والقدس في الأجندة الملكية، جزء من الالتزام الشخصي للملك، وإضافة إلى التزامه كرئيس اللجنة وكأمير المؤمنين، من حيث اللحظات المصيرية والانعطافات التي تثبت هذا الانحياز، ونذكر على سبيل المثال في السنتين الأخيرتين، نداء القدس، من توقيع أمير المؤمنين وقداسة البابا، والموقف من نقل عاصمة أمريكا إلى القدس.
ليس للمغرب ما يقدمه من أدلة لكي يثبت فلسطينيته.. ولا انحيازه الإنساني للقضايا العادلة، بل له أن يقدم فقط رجاحة التدبير الجيو-استراتيجي، وسلامة الخطوات في التعامل مع القضية المركزية للمغرب في الأفق القومي، إلا أن المغرب راكم تجربة وتراثا خاصا في التعامل مع متغيرات القضية وثوابتها، وصارت له مدرسة في التقدير الجيواستراتيجي للمتغيرات الإقليمية والدولية، مع قدرة نادرة في وسط الأنظمة على التقاط العوامل المساعدة للتقدم على درب السلام.
وبالرغم من أن المعطيات تتغير، إما عن طريق تغير الفاعلين الإقليميين أو تغير الفاعلين الدوليين، فإن المغرب حافظ على ثبات موقفه من عدالة القضية ومن أسلوبه في طرحها ومناقشتها، بالرغم من عدم وجود أية أجندة خاصة به، وبالرغم من وجود فاعلين إقليميين، قد لا يشاورونه الرأي أو يناصبوه العداء في قضاياه المصيرية.
ولا يتبرم المغرب من استقلالية القرار الفلسطيني، أبدا، بالرغم من تقلبات السياقات الدولية.
ويوجد المغرب الآن ضمن اللجنة المنبثقة عن لقاء الجامعة العربية، المتكونة من الدول ذات الصلة الوثيقة بالقضية الفلسطينية وفي قلبها عاصمة الدولة المستقلة القدس.
ومطلوب تحركه في تنزيل المبادرات المتفق عليها، وهومخاطب جيد للعديد من العواصم الدولية، التي تقرر بشأن القضية، كما أنه يعتنق عقيدة ديبلوماسية، منذ عقود، هي نفسها التي يعتنقها مع القضية الوطنية الأخرى لديه، أي قضية الصحراء، وتحفيز الشرعية الدولية والأفق السياسي وتوفير شروط الحل السلمي…
شعبيا، لا يتوقف الجدول المغربي عن التدفق، ولا الانحياز الواضح للقضية عن السير في الاتجاه الصحيح.
نحن الذين أسسنا المسيرات المليونية لدعم القضايا، ونحن الذين استقبل ملكنا وزير الدفاع الأمريكي في عز انتفاضة بداية الألفية استقبالا خاصا وعلى صدره »”كلنا فلسطين.»”!.
ونحن أيضا الذين تتبارى القوى السياسية منا في خدمة القدس..!
وفي قراءة بيان الخارجية لا يجب الوقوف عند التنديد بالعدوان والعنف، بل أيضا قراءة عقبات السلام التي يراها المغرب.
المستعجل حاليا هو وقف الدمار، وقراءة ما تغير وما بقي في الخارطة الإقليمية، لكن أيضا التذكير بأن ما يجري ينعش التراجيديا من جديد، بالدم الفلسطيني الطاهر. ويعيد التذكير بأن زمن النكبة ما زال مستمرا، ولن تفقد الأجيال التي جاءت بعد النكبة الأصلية من حرارة شعورها بالحاجة إلى الحرية وطرد المحتل، والقراءة المغيبة تفيد بأن الفلسطينيين قدموا ما يجب من متطلبات نادت بها الشرعية الدولية، حتى يصبح السلام ممكنا، وأن تلك التنازلات لم تسعف في تغليب السلام بل أرادته قوى التنكيل أن يكون بلا كلفة وشروط أفضلية استراتيجية مغايرة ومريحة، وهو ما قال المغرب بأنه غير ممكن ولا يمكن أن يستمر.
المطروح إنقاذ فكرة السلام، من فصول العنصرية الجديدة، ومن كلاسيكيات الصهيونية المحاربة والقاتلة والنزعة المتغطرسة في إعادة بناء شرق أوسط بدون قضية..
إن المغرب يُذكِّر بأن المقاومة وهي تصارع، فهي تفعل ذلك من أجل تغيير موازين القوى، وخلق شروط أفضل لتفاوضٍ يقوم على عتبتي الحرية والدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس.
وليس هناك من أجندة قابلة للعقل والدبلوماسية، وللعدل والحرية معا سوى هذا التوجه الذي للمغرب فيه تراث باهض وتجربة ومهارة جيو-استراتيجية، تشرف أبناءه وتجعل الفرقاء ينصتون إليه….
وسيكون من الأنسب الآن، أن تسارع الدول الموجودة في لجنة القدس إلى عقد مؤتمر في سياق الالتفاف حول القضية واحتضانها، ثم تفعيل مبادرات موحدة، خارج الأجندات المتباينة للعواصم المعنية بمصير بؤرة الشرق الأوسط، استراتيجية يحذوها الحق لا توازن الرعب …فقط…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 17/05/2021