المغرب في حمأة انتخابات الجارة الشمالية:خوصي أزنار، صوت الجزائر في إسبانيا

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
تحتفل الصحافة الجزائرية، منذ أيام، بالخروج الإعلامي لرئيس الحكومة الإسباني الأسبق خوصي ماريا أزنار، والذي يهاجم فيه الرئيس الحالي بيدرو سانشيز بسبب موقفه الداعم للحكم الذاتي.
وقد ركز هجومه، الذي أعلنه بمناسبة محاضرة له، خلال ندوة بمدريد في بداية الأسبوع تمحورت حول إسبانيا والنظام العالمي الجديد، على ثلاث محاولات:
أولا، اعتبار الموقف المعلن عنه موقفا شخصيا لا يلزم الدولة الإسبانية.
ثانيا: اعتباره خطرا لا يغتفر، ورسالة هشاشة وضعف لإسبانيا.
ثالثا: دعوة الحكومة المقبلة إلى العودة إلى الشرعية الدولية، مع العودة إلى البرلمان للمصادقة عليه!
وفي الحقيقة يستحق أزنار بعض الأسئلة السجالية من قبيل: كيف يمكن لموقف شخصي غير ملزم أن يكون هو نفسه عنوان ضعف الدولة وله انعكاس يزيد من هشاشتها؟
كيف لموقف اعتبره فرديا أن يكون في الوقت ذاته خطأ لا يغتفر من زاوية سياسة الدولة؟
كيف يطعن الرئيس في المضمون الأساس والسياسي لموقف سانشيز ثم يحيله على الشكل، عند الدعوة إلى العودة إلى البرلمان؟
هذه الأسئلة وغيرها، لا تنتظر أجوبة في الواقع، لسببين على الأقل:
الأول، متعلق بموضوعها الشخصي وهو أزنار هنا، والذي وصلت العلاقة معه أثناء توليه الحكومة إلى القطيعة وأشرفت على الحرب (2002 و2003 ) مع حدث جزيرة ليلى وما تلاها، ثم في الموقف من القضية الوطنية .. الرجل الذي لم يخف أبدا انزعاجه من أدوار المغرب ثم موقعها من الاختيارات الأمريكية الأخيرة ، يعتقد بأن التراجع الذي سيكون مخزيا ويسقط إسبانيا إلى مرتبة جمهوريات الموز غير الموثوقة، قد يعطي لإسبانيا دورها في المنطقة، ويعيد لها تأثيرها على المستوى الدولي.
وهو موقف يرى بأن إضعاف المغرب في قضيته الوطنية سيرفع من قوة بلاده، وهو التحليل المبني على الوهم و التغليط الذاتي.
أزنار يدافع عن رهانه الجزائري، الذي تم تجسيده من خلال توقيعه هو شخصيا في 2003 على ما سماه الاتفاق الاستراتيجي …لكن الوزير الاول الذي يخشى على “المصداقية والاحترام” لدولته يريدها أن تتراجع عن اتفاق دولي معلن رسميا..
لقد سبق لأزنار أن علم الموقف المغربي، كما كتب ذلك في مذكراته التي نشرها في 2014، وقتها سمع في ماي 1997 من الملك محمد السادس، وهو مازال وليا للعهد، موقفا واضحا… والخروج من موقف الحياد الذي سيرسمه الملك في خطاب رسمي عام لكل الأصدقاء والشركاء منذ سنتين !
كانت الفترة التي قضاها ازنار فترة أزمة جزيرة ليلى، وما أبداه هو شخصيا من عجرفة بنشر 28 وحدة “كوماندوس” بمساعدة البحرية الإسبانية وسلاح الجو، مدعيا وقتها بأنه يخاف من غزو مغربي لسبتة ومليلية!!!
لقد سكنت ازنار عقدة المغرب، الذي يرى في كل موقف إهانة لإسبانيا، وهو نزوع* تستحكم فيه العقدة الاستعمارية التي ورثها أكثر من العزة الوطنية التي لن يعيبها عليه أحد لصالح بلاده، حتى أنه اعتبر بأن بيدرو سانشيز، الذي أطاح بحزبه من الحكومة بالرغم من أنه كان قد تبوأ المرتبة الأولى في الانتخابات، أهان بلاده عندما لم يتم استقباله من طرف الملك في آخر دورة للجنة العليا المشتركة، رغم السياق الواضح والبين لطبيعة الاجتماع ثم الرسالة الملكية في الموضوع وما إلى ذلك من إعلانات الاحترام المتبادل..
خوصي ماريا أزنار، في الواقع، هو الذي سبق له أن كسر التوافق الإسباني الداخلي بخصوص السياسة الخارجية، عندما أخذ موقفا تبعيا إزاء الحرب على العراق مع الولايات المتحدة، وهو الذي كسر توافقا داخل الطبقة السياسية بناء على عقيدة تم وصفها في حينها ب “نيوـ قومية” إزاء أوروبا، وتبعية إزاء الولايات المتحدة بلغة سيليستينو ارينال، خبير الشؤون السياسية والدولية الإسباني.
نفهم أكثر الموقف السياسي لبيدرو سانشيز، الذي صرح بأن الموقف من الصحراء تسانده أوروبا وأمريكا والعديد من الدول، أي أن أزنار يسبح لوحده.
بل حتى خليفته فييخو، الذي يُدفَع دفعا نحو الجزائر يصر على علاقات متميزة جدا مع المغرب( الجار والحليف والصديق ، حسب لغته ).
خوصي أزنار هو أيضا عقدة الخروج المليوني ضدحزبه في المغرب في 2010 عندما دعت الأحزاب المغربية إلى مسيرة احتجاجا على “الحملة المغرضة التي يقودها الحزب الشعبي الإسباني ضد المصالح العليا للمغرب”، وكان الحزب الشعبي وقتها يتحرك بغطاء البرلمان الأوروبي كما هو حال حزب ماكرون حاليا.
والواقع أن الحملة الانتخابية لا تبرر كل هذه التقريبية العدوانية التي يمارسها أزنار وتحتفل بها الجزائر.
والذي لا يمكن أن يراهن عليه الشعب الإسباني هو خليط المشاعر الفردية وبقايا الشعور بالخيبة والمواقف القومية العدوانية، في خطاب سياسي انتخابي يتحدث باسم دولة أخرى.
ولا يغفر لأزنار حسابه السياسي الخاطئ الذي سبقه إليه مسؤولون آخرون، منهم من كان على علاقة وطيدة بملف الصحراء ومنهم مبعوثون أمميون أمثال بيكر وروس، اللذان يقيمان بجوار قصر المرادية بحثا عن الخدمة، وقد انتهى بهم الأمر إلى … الصمت الجنائزي..
(غدا: رسالة إلى الملك
وسط ضباب في مدريد؟)..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 06/07/2023