المغرب منصة بايدن لمخاطبة العالم الإسلامي؟

عبد الحميد جماهري
أعرب مخاطبي، وهو واحد من رجال الدولة السامين، عن أمله في أن »يقوم المغرب بما يلزم لتكون بلادنا محطة للرئيس الأمريكي الجديد للتوجه بالخطاب للعالم الإسلامي، بدلا من دولة أخرى كما فعل قبله أوباما»…
ويرى مخاطبي السديد، أن »المغرب أجدر بذلك في الظروف الدولية الحالية»…..
النموذج المغربي في التدين، في إفريقيا له امتداد مؤسساتي، انضاف إلى الامتداد التاريخي لصوفية المغرب وعلمه واختياره الجنيد والأشعرية.
لما راكمه المغرب من تجربة مع الغرب، لا سيما منه الغرب الأوروبي، يجعله أيضا مخاطبا ومنصة جيدة للاستماع إلى خطاب الدولة العظمى في العالم…
ولا سيما وأن المغرب لم يعبر عن أية أفضلية بالنسبة للمترشحين للرئاسة، وحافظ على مسافته المعروفة من مرشحي البيت الأبيض، وتفضيله التعامل بناء على الوقائع والمعطيات، بدون الزج بنفسه في تقاطبات السياسة الداخلية الأمريكية…
المغرب، أيضا، في التجربة المرية للعقدين الماضيين، في ما سمي بالشرق الأوسط الجديد، أثبت استقلاليته، وتعامله بالوضوح اللازم في هذا الباب، ولما طفت موجة الإسلام السياسي، لم تكن هناك حاجة إلى حرب أهلية أو تمزقات عسكرية مدنية ولا إلى دبابات للوصول إلى السلطة، بل كان وصولهم جزءا من تطور وتفتح الحقل السياسي الوطني، ولم نصل إلى استعصاءات كبرى، تمنع تطبيع التيار الديني الحزبي في المشهد السياسي، لا مع الفرقاء ولا مع الدولة، بل استمر هذا التيار في السلطة وإن انهارت مثيلاته في تونس ومصر، وخلفته حروب أهلية وانغلاق الحقل السياسي..
لم يدع المغرب أبدا أية ريادة سنية كانت أوشيعية، ولا تاريخ له مع الأفكار المتطرفة، بل كان أحد ضحاياها.
ولعل النقطة الارتكازية الكبرى هو النبوغ في تطوير حقل ديني يعود إلى اثني عشر قرنا، بليونة واجتهاد حظي بتقدير عالمي، سواء في تدبير أوضاع المرأة وإعادة تعريف الأسرة، أو في ما يتعلق بالاجتهاد في قضايا تبدو عصية على أي اجتهاد، بدون الخروج عن النص الواضح في قضايا كثيرة، وتسليمه بكونية حقوق الإنسان وتدبيجها في الدستور الذي أعاد تعريف الدولة وبناءها المؤسساتي، وهي تجربة لا يصل إليها عتاة شعوب الدائرة الإسلامية بدون دم أو تمزق أو استئصالية مقيتة.…
لقد اقترب المغرب من الغرب الكوني، بدون أن يفقد جذوره أو يبتعد عن سلامة شعبه العقدية…
فطبيعة إمارة المؤمنين في المغرب تجعلها قاعدة للاجتهاد وخادمة عاقلة للتطور والتكيف مع العصر، بدون أدنى رفض من المجتمع أوالتضحية به لفائدة أطروحات معلقة بلا أرض ولا جدران.
ولم يكن التدين الواضح للمغرب والشفاف والعاقل لخدمة أية أجندة سياسية لريادة ما، تكون أثمنتها ناسفة..أو موضوع مراجعات التخزين والإيداع لعقود من الزمن.
ولم يصدر المغرب نموذجه، بقدر ما أن الدول والشعوب هي التي تستلهمه في تجاربها لتعايش الحاضر والماضي، الروحي والمادي، السماوي والبشري.…
والمغرب يقدم نموذجا يكون فيه المرجع /المرجعية الإسلامية مهما للغاية، لكنه لا يستنفد لوحده كل جوانب الممارسة وثقافة الممارسة المفتوحة لكل ديناميات المثاقفة، إن لم نقل التحديث المناسب« على حد قول محمد الطوزي في كتابه الملكية والإسلام السياسي.
وفي زمن التضاد الروحي، وارتفاع وتيرة سوء الفهم بين شعوب الديانات التوحيدية، خصوصا، يعطي المغرب، تاريخا وحاضرا، المثال في التعايش الذي يتطلبه الانتماء للبشرية، تحت سقف الحقوق المكفولة، ومنها حرية العقيدة. فوق أرضه تتعايش الديانات، وزاد المظهر ثبوتا مع توافد المهاجرين الأفارقة، ومنهم مسيحيون كثر، وجدوا كنائس يؤدون فيها صلواتهم وطقوسهم الروحية، وصار المشهد مألوفا.
كما أن المغرب لم يتنكر أبدا للعنصر العبري التكويني لشخصيته، كما نص على ذلك دستوره بوضوح لا نظير له في العالم الإسلامي كله..
العالم يعيش صدام سوء الفهم والتجاهل المتبادل، والمغرب يعطي عكس الصورة.
طبعا هناك أوراق مربحة أخرى، ليس أقلها تواجده في تضاريس خارطة تتقاطع حولها القارات .. والشعوب والحضارات.
ولعل النقطة التي شكلت عقدة المنشار في سياسة دونالد ترامب، وخلقت، بناء على ذلك، توترا واضحا بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة، هي الوضع الديبلوماسي للقدس الشريف.
وقد كانت تلك الخطوة المستفزة، موضوع مواقف ومشاعر عامة، غزت شحناتها مليار ونصف مليار مسلم.
والمغرب، الذي عبر عن موقفه بكل نضج ووضوح من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال، مخاطب جدي وذو مصداقية بالنسبة لرئيس يريد أن يعيد النظر في الكثير من قرارات سلفه ترامب، وإعادة بناء ديبلوماسية حل الدولتين.
فعاهل البلاد وأمير المؤمنين فيها، هو رئيس لجنة القدس، وعليه فإن الحديث من منصبه لابد سيحظى بالمتابعة من طرف الجميع، والاحترام من كل أطراف الإشكالية، أضف إلى ذلك أن جلالته وقع مع بابا الفاتيكان بمناسبة الزيارة التاريخية للبابا، بيانا واضحا، حول الموضوع، وهو ما يزيد من سمو الموقف المغربي، موقف بلاد عرفت تعايشا وتساكنا بين كل الديانات واحتضنت كل الرموز والقيادات الدينية بدون إكراه ولا إقصاء…
هذه العناصر وغيرها مما لم نذكرها كلها، تجعل من المغرب أفضل منصة للرئيس الجديد لمخاطبة العالم الإسلامي، لا سيما وأن العديد من العواصم تعاونت معها بلادنا في مواضيع مشابهة أو لها نفس الحساسية من مواقع وزوايا مختلفة.
ننتظر أن تتحرك آلتنا الديبلوماسية لأجل هذا الفعل التاريخي في هذه اللحظة التاريخية…
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 13/11/2020