المغرب والاتحاد الأوروبي والأوراق المبعثرة في السياسة الإسبانية

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لا شك أن إسبانيا تابعت بغير قليل من المرارة الزيارة الأولى لرئيسة المفوضية الأوروبية إلى المغرب، كما أنها تكون قد فهمت الرسالة من تصريحاتها، يوم الأربعاء الماضي، حين أكدت أورسولا فون دير لاين «على مواصلة تعميق علاقات المغرب والاتحاد الأوروبي «بوصفنا جارين وشريكين وصديقين».
وهي بذلك عبرت عن إرادة الاتحاد الأوروبي في «تعميق الشراكة الاستراتيجية، الوثيقة والمتينة» مع المغرب.
مصدر القلق الإسباني والمرارة يكمن في أن إسبانيا كانت تعتبر نفسها هي عرابة العلاقة بين الطرفين، بل ذهب الأمر برئيس حكومتها بيدرو سانشيز إلى حد القول، في 24 ماي من العام الماضي، إن» المغرب ليس لديه حليف أفضل أو أكبر داخل الاتحاد الأوروبي من إسبانيا للدفاع عن مصالح استراتيجية مهمة للرباط وللاتحاد الأوروبي».
الواضح أن الطريق الرابطة بين الرباط وبروكسيل لا تمر بالضرورة عبر مدريد، بل يمكن أن نسجل، بدون مبالغة في الخوف، بأن مدريد تتابع عاجزة الدينامية والمشاريع الكبرى التي تتم على ضفتي المتوسط ولا تجد طريقا للاستفادة منها.
لا يمكن أن ننسى أيضا أن أوروبا حاولت تشييد حلف صليبي وراء مدريد في عز الأزمة بينه وبين إسبانيا، عن طريق البرلمان الأوروبي، وكانت إسبانيا قد حاولت في وقت لاحق من الأزمة أن تبعث رسائل متفائلة إلى المغرب، سواء بالمباشر أو بغير المباشر.
ويجب الإقرار أن المتفائلين من انتصار الحكمة عند الجانب الإسباني، قد خاب ظنهم، بالرغم من أنهم لم يعْدَموا أسبابا لذلك، ومنها بالأساس تصريحات الملك فيليب السادس في يناير المنصرم.
وكان العاهل الإسباني قد دعا إلى «المضي قدما جنبا إلى جنب مع المغرب لتجسيد علاقة جديدة ومتينة بين البلدين».
وبعده صرح رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، بنفس الشيء، بحضور الألماني «أولاف شولز»، الذي فكك القنبلة الألمانية في العلاقة مع المغرب، وهو بحد ذاته حضور بعث على التفاؤل، خاصة بعد أن أعاد سانشيز نفس المضامين التي وردت في دعوة عاهل بلاده.
وفي الوقت الذي تتوجه فيه الأنظار إلى إسبانيا للتجاوب مع مطلب المغرب، في الوضوح السياسي حول قضيته الوطنية، ما زالت مدريد تغازل الزمن في العلاقة البينية، وتسرب الأخبار والنشرات …ولم يقم المغرب بأي رد فعل أو موقف عن هذه الأخبار والمبادرات المنسوبة إلى الحكومة الإسبانية…
فقد شغلت الحكومة الإسبانية المنصات الإعلامية وشبكات التواصل التي بيدها من أجل أن تبيع للمغرب قرارا لم يعرف به أحد، وهو إعادة توجيه الغاز السائل الذي يصلها من الجزائر إلى المغرب عبر الأنبوب نفسه الذي أغلقته الجزائر في أكتوبر من العام الماضي…
إذا كان المغرب قد عاش إلى حدود الساعة بدون أزمة غاز في تحريك محطتي «تاهدارت» و«عين بني مطهر»، فلأن تأثير قرار توقيف أنبوب الغاز المغاربي الإسباني اوروـمغاربي لم يكن ذا خطورة.
ما لم تشر إليه المنابر الإعلامية العاملة في حياض بيدرو سانشيزو كشف عنه أكثر من مصدر إسباني هو أن شركتين إسبانيتين تعملان في هاتين المحطتين.
حيث نجد أن تاهدارت»«تسيرها وتدبرها شركة «اينديثا» «Endesa» أما محطة «عين بني مطهر» فقد أسندت إلى الشركة الإسبانية «ابينغوا «ABENGOA»، أشغال الصيانة والاستغلال فيها!
وفي سياق مشابه، نقلت وكالة «أوروبا برس» في اليومين الماضيين عن «مصادر بالخارجية الإسبانية» قولها إن العلاقة مع المغرب آخذة في التحسن بالمعدل الذي يجب أن يكون عليه من أجل صياغة «علاقة القرن الحادي والعشرين» التي يفكر فيها البلدان، وأضافت ذات المصادر أن هذا المسار يتطلب الوقت والتكتم، لذلك تتجنب مدريد الدخول في التفاصيل حتى لا تفسد الجهود المبذولة في هذا الإطار».
ولعل الرغبة في التكتم عن «المصادر» الإسبانية المذكورة، شأنها في ذلك شأن التكتم في ما يخص التفاصيل والمبادرات، يرخي بظلال الحيطة على ما يراد من تسريب هذه الأخبار، والتزامن بين ما جاء في «أوروبا بريس» وزيارة رئيسة المفوضية، ليس صدفة فارغة، بقدر ما أنه نوع من إثارة الانتباه أن مدريد موجودة في كل ما قد يرتبط بالاتحاد الأوروبي، فهو نوع من دق جرس الحضور أكثر منه أخبار مؤكدة عن شيء مؤكد.
ولحد الساعة، لم تفهم إسبانيا أن الأزمة لم تبدأ اقتصاديا لكي تنتهي اقتصاديا بل بدأت سياسيا ويجب أن تُحلَّ سياسيا، والسياسة بالنسبة للمغرب لم تكن غير الوحدة الترابية والتعامل الصحيح معها…
ما من شك أن الأزمة كان لها جانبها الاقتصادي، ولا شك بأن هذه الجوانب أثرت في إسبانيا التي استفادت اقتصاديا بدون دفع الثمن سياسيا، والأساسي أن المحاولات تتزامن مع آفاق شراكة سياسية واسعة مع الاتحاد الأوروبي يبدو أن إسبانيا لن تكون جزءا وعنصرا في شراكتها… والمغرب في هذا الجانب كان يفصل دوما بين علاقته مع مدريد وعلاقته مع الاتحاد الأوروبي، وقد ركز كثيرا على هذه المقاربة إبان الأزمة مع مدريد على إثر دخول إبراهيم غالي بن بطوش إلى الجزيرة الإيبيرية وما تلاها من أزمة في الهجرة…
خلاصة القول إنه في الوقت الذي تتقدم الشراكة المغربية الأوروبية، ما زالت العلاقة مع مدريد في مستواها الأدنى، إن لم نقل إنها تتعمق في صمت، إذا لم تغير إسبانيا موقفها من القضية الترابية، هي التي سلمت مفاتيحها في الصحراء، وهي التي وقعت التزامات مع المغرب وموريتانيا بخصوص الصحراء، وهي التي تتردد أكثر من أي دولة أوروبية أخرى لنا معها علاقات جد متقدمة…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 11/02/2022