المغرب والجزائر.. الحرب أولها كلام 2/1
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
ظلت العلاقة بين الجارين الغربيين للأمة محكومة بتدبير التوتر، أسلوبا في تدبير الصراع بشأن ملف شائك ومصنوع في الدهاليز النظامية، أكثر مما هو نتاج فعل التاريخ أو السياسة، غير أنها المرة الأولى الذي لا يتردّد الحقل السياسي المغربي في طرح مؤشرات الحرب، منذ قرابة ربع قرن على وقف إطلاق النار بين المغرب والطرف المباشر في الحرب، جبهة بوليساريو.. هناك أسئلة مقلقة للغاية:
لماذا لوّح المغرب بالحرب هذه المرة، على الرغم من أنه بنى كل سياسته في الدفاع عن حقه التاريخي والشرعي في الوحدة الترابية والإنسانية على هوية سلمية، منذ الأصل إلى.. التوتر؟ كان المغرب، منذ البداية، ميالا إلى تسريع وحدته الترابية، في منتصف سبعينيات القرن الماضي، والصحراء وقتها مستعمرة إسبانية، وبقية من بقايا التقسيم الاستعماري الذي طاول بلاد الغرب الإسلامي، حيث تقاسمت دولتان استعماريتان، هما فرنسا وإسبانيا، التراب المغربي: الشمال والجنوب لإسبانيا، والوسط والشرق والغرب لفرنسا. ورافق هذا التعقيد في الاستعمار تعقيد في الاستقلال، بحيث ظل المغرب، ومازال، يطالب باستكمال حرية أراضيه. وقد اعتقد متابعون عديدون أن السلمية، باعتبارها عقيدة دبلوماسية للمغرب لن يشوّش عليها أي طارئ، باعتبار الاندفاعة الشعبية والانفراج السياسي اللذين رافقاها. ولمبررات النزوع السلمي مرتكزات أهمها:
أولا، حرّك المغرب في نوفمبر 1975، عشرات الآلاف من نسائه ورجاله المدنيين، في مسيرة سلمية بحتة، نحو الصحراء. وكان الملك الراحل الحسن الثاني، وقتها قد خرج من وضع صعب للغاية، جرّاء محاولتين انقلابيتين، قام بهما أقرب الناس إليه، كالجنرال محمد أوفقير، ذراعه الأمني والعسكري في مواجهة المعارضة التي تعرّف نفسها استمرارا لحركة التحرير الشعبية، وحاملة لواء جيش التحرير، في الشمال والصحراء معا. إضافة إلى محاولة ثورية للتسلل المسلح ومحاولة زرع حرب التحرير الشعبية، قادها معارضون للملك في 1973. وكانت المسيرة لتحرير الصحراء أداة وطنية في يد الحكم والمعارضة، لاستئناف العقد الوطني المحرّر في 1944 بين الحركة الوطنية والعاهل محمد الخامس الذي سيتم نفيه، بعد أن انحاز للحركة المطالبة باستقلال البلاد، من أجل البناء الوطني وتحرير الأرض وإقامة النظام الديمقراطي، غير أن هذا الأصل السلمي في استرجاع الصحراء لم يمنع قيام الحرب في المناطق المسترجعة، وإعلان جزء من طلبة صحراويين دخولهم في المغامرة الحربية، بدعم واضح وجلي، ترابي وعسكري ولوجيستيكي، من النظام الجزائري، ثم الليبي في عهد العقيد القذافي، وهي الحرب التي استمرت إلى حين توقيع اتفاق إطلاق النار في سبتمبر 1991.
ثانيا، حسم المغرب الحرب لفائدته عمليا بتمشيط الصحراء كلها، ثم كان بناء الستار الأمني، أو الجدار الرملي، نقطة توقيع نهاية المواجهة، ليتراجع الخيار العسكري في وضع نقطة نهايةٍ للنزاع. وكان ذلك بتسجيل استحالة الحسم العسكري على الأرض، ليفتح باب البحث الجدي، من خلال معركة السلم. وهذا ما شجع على تكريس البعد السلمي في النزاع، أو السلام المسلح بين أطرافه، المعلنين والمستترين.
ثالثا، القبول المغربي بمبدأ الاستفتاء في الصحراء، في صيف 1981، بناء على “نصيحة” من أصدقائه الغربيين، ولاسيما فرنسا، وهو الموقف الذي جرّ البلاد إلى مواجهاتٍ سياسيةٍ قاسية، كان من نتائجها سجن أحد القادة الوطنيين، عبد الرحيم بوعبيد الذي قاد المفاوضات مع فرنسا وقت الاستعمار، ويعد مهندس الاقتصاد الوطني المستقل، بعد أن كان قد عارض الحسن الثاني بشأن مبدأ الاستفتاء بعبارة شهيرة استوحت قولة يوسف عليه السلام “رب السجن أحب إلي من أن ألزم الصمت في قضية مصيرية”، وهو الموقف الذي أقرّ الملك الراحل به بعد سنوات، وأقر بعدم توفيقه في قبول الاستفتاء. ولعل الارتباط بالقضية الترابية هو جوهر المواقف في كل اختيار سياسي داخلي، ما يجعل من الصعب تصور تجاوز الوحدة الترابية في بناء الهوية، أو صناعة الانتقالات الكبرى، تاريخية أو ديموقراطية في المغرب المعاصر.
عن «العربي الجديد»
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 12/04/2018