المغرب والخليج والتدبير المشترك لسوريا!

عبد الحميد جماهري
اجتمع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى مصر وسوريا والمغرب والأردن، يوم أمس الخميس بمكة المكرمة، لبحث عدة موضوعات لدعم وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة حسب المنظمين، وتأتي الاجتماعات الخليجية العربية بعد يومين فقط من انعقاد القمة العربية التي عقدت في القاهرة بنقطة فريدة تهم غزة، كما أن هذه اللقاءات تنظم على هامش الاجتماع الـ163 للمجلس الوزاري الخليجي، الذي يعد أقوى تكتل جيوسياسي إقليمي عربي إلى حد الساعة.
والواضح أن قضايا ثنائية تستوجب هذا الاجتماع، ولكن لا بد من استحضار عناصر أخرى في التحليل :
ـ إن الاجتماع، يتم بحضور سوريا التي أعادت عضويتها في المنتظم العربي في قمة السعودية، في 2023.
ـ هو امتداد لتعاون بدأ يترسخ ويتقوى بين دول الخليج والأردن والمغرب من جهة، وبين المجموعة المكتملة ومصر من جهة ثانية، ولعل حضور مصر في هذه المحطة يتم بموجب قوة الواقع الذي جعلها تحتضن القمة العربية حول غزة، وباعتماد المجموعة العربية لخطتها حول غزة. ومن المنطقي أن تحضر دولة الكنانة في اللقاء، لا سيما للنظر في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، ولا شك وأن جزءا مهما للغاية من خطة الإعمار يتوقف على التمويل والمتابعة لا يمكن أن يتم ذلك بدون دول الخليج، في انتظار الانخراط الدولي في هذا المجهود.
على المستوى السوري، الواضح أن الوضع الداخلي له علاقة بما يتم ترتيبه، عربيا، ولكن من الواضح أيضا أن القرار بإدماج سوريا ما بعد الأسد في المنظومة العربية أصبح اختيارا يفرض نفسه، في زمن تتقاطع فوق التراب السوري حسابات الأتراك والإسرائيليين والإيرانيين أو من ورث خطتهم في الشرق، والجزائر بالأساس.
وليس صدفة أن محاولات تبييض العلاقة بين الجزائر ودمشق استرعت الاهتمام في التحليل والتعليق لدى كتاب الرأي والخبراء،عقب الزيارة التي قام بها وزير خارجية الجزائر عطاف، وما تسرب من رفض القيادة السورية الإفراج عن فلول العسكر الجزائري والانفصاليين المعتقلين بعد سقوط نظام الأسد.
كما أن الجزائر، التي انزعجت من اللقاء التحضيري للقمة العربية، والذي احتضنته السعودية، تدرك بأن استضافة مكة للاجتماع الحالي يسير في نفس المنطق المتعلق بدور السعودية وكذا امتداد للتنسيق الخليجي المغربي الأردني في ما يخص الأمن العربي الموحد، والذي كان موضوع خطاب الملك محمد السادس أمام قمة الرياض في 2016.
والمغرب كان محطة أساسية في تدبير الملف السوري منذ اندلاعه. استضاف المغرب، إبان كان الإسلامي، سعد الدين العثماني، وزيراً للخارجية، مجلس الوزراء العرب 16نوفمبر 2011، بحضور ممثّل تركيا، لبحث تطورات الملفّ السوري، وكان قرار تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في جدول الأعمال، وقابل نظام الأسد الموقف الديبلوماسي بأعمال “بلطجة” تعرّضت لها سفارة المغرب في دمشق.
وفي منتصف سنة 2012، احتضنت مراكش الاجتماع الدولي الرابع لمجموعة أصدقاء الشعب السوري، بمشاركة أكثر من مائة دولة عربية وغربية، وكان ضمن جدول أعماله الاعتراف بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ممثّلاً للشعب السوري. رسمياً سيقدّم المغرب قراءته الاستراتيجية لما وقع في قمّة الرياض، في أبريل 2016، أي بعد خمس سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية، وأيضاً بعد دخول سوريا حرباً أهليةً، وارتكزت قراءة ملك المغرب على ثلاث مقوّمات؛ ما تعيشه بعض الدول في العالم العربي “ليس استثناء، وإنما يدخل ضمن مخطّطات مبرمجة، تستهدف الجميع”؛ المنطقة العربية تعيش على وقع “محاولات تغيير الأنظمة وتقسيم الدول، كما هو الشأن في سوريا والعراق وليبيا”؛ تحالفات جديدة قد تؤدّي إلى “إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة”. ما يعني أن القيادة السياسية في المغرب وضعت شبكةً واسعةً لفهم التحوّلات الجارية، ومن ثمّة تحديد الموقف منها، ولا سيّما ما يتعلّق بسوريا التي تخندقت، بالقوة أو بالفعل، في خانة الدول التي عصفت بها التحوّلات الجارية.
وإذا كان المغرب رسمياً دعا (ويدعو) إلى احترام سيادة سوريا ووحدة ترابها واحترام إرادة السوريين في بناء نظامهم، فهو لم يسارع إلى الاحتفال بما وقع في الأسابيع الماضية، والمؤكّد أن قطاعاً واسعاً من الرأي العام ابتهج بسقوط الراعي المشرقي لعناصر الانفصاليين الذين كانوا فوق التراب السوري، وتحت مظلّته العسكرية، وتحت إشراف قوات حزب الله التي دخلت في تحالف وجودي مع النظام، ورعت أجندته في المغرب الكبير من خلال دعم مليشيات جبهة البوليساريو. ويسعد الرأي العام المغربي لسقوط نظام وضع من دعم “البوليساريو” ثابتاً سياسياً في العلاقة مع شعوب المغرب الكبير، وامتداداً للسياسة المغاربية لطهران.
ونعيد السؤال: كيف هو وضع العاصمة دمشق من شرفة في العاصمة المغربية ؟… تبدو المرحلة منفتحةً على احتمالات أفضل، وربّما سيكون تأثيرها جليّاً في منطقة المغرب الكبير، بفعل انحسار ظلّ إيران في المنطقة المحيطة بها وتراجع نفوذها في مجالها الإقليمي، وهو الأثر الذي سيمتدّ إلى الغرب الإسلامي، ويضعف أكثر حركة البوليساريو وداعميها الذين كانوا يعوِّلون كثيراً على نهاية الحرب في الشرق الأوسط لتقديم دعم أكثر قوة ونوعية.
ولعل وجود تدبير عربي مشترك قائم على تحالف دول متقاربة في التوجهات وفي التحالفات وفي تحليل الوضع المستجد، تحول قوي، يمكنه أن يخرج سوريا من اضطراباتها ويجعلها في منأى عن »الاستعادة« التي تحلم بها محاور أخرى…
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 07/03/2025