المغرب والسلام الإفريقي: الحالة الجزائرية

عبد الحميد جماهري

في الحقيقة، ليس للمغرب أن يطيل الدفاع عن عمله من أجل السلام في إفريقيا، ولا أن يعيد إلى الأذهان، بالرغم من نجاعة تمرين ديبلوماسي مثل هذا في المحافل الدولية، ما قام ويقوم به منذ استقلت دولته وأغلب دول إفريقيا.
ومع ذلك تقدم نائب الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر القادري، أول أمس الثلاثاء بنيويورك، أمام مجلس الأمن المنعقد تحت عنوان «السلام والأمن في إفريقيا.. تعزيز القدرات من أجل استدامة السلام»، لكي يوكد أن المغرب يعمل، وتنفيذا للتوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس، بشكل متواصل من أجل الحفاظ على السلام وتعزيزه واستدامته في القارة الإفريقية، وعدد كل ما يقوه به المغرب في هذا الباب.
وقد كان من الممكن، والعالم يتابع إصرار المغرب على تنقية الأجواء في شمال إفريقيا، إعطاء نموذج الحالة الجزائرية…
للمرة الثانية في ظرف سنة واحدة يتوجه ملك المغرب باليد الممدودة إلى الجارة الشرقية الجزائر، ويخص بالتحديد الرئاسة الجزائرية بالدعوة للعمل على تجاوز الوضع المتجمد بين البلدين.
وبِلغةٍ مزجت بين القلب المغاربي والعقل الجيواستراتيجي، اختار العاهل المغربي مناسبة الخطاب السنوي لعيد العرش، يوليوز 2022، الذي يفتح أفق انتظار كبير في كل سنة، داخل وخارج المغرب لكي يدفع باتجاه الانفراج بين البلدين.
وكانت الدعوة واضحة بلا لغة مواربة حيث دعا إلى إعادة العلاقات الأخوية بين الدولتين في إطار من الاستقرار السياسي المطبوع بالتعاون والتعايش بين الشعبين الشقيقين بما يحقق لهما المزيد من الرخاء والنماء والتقدم والازدهار»… لغة واضحة أيضا في الهدف منها، متمثلا في الاستقرار السياسي، وهو مايعني أن سماء المغرب الكبير تلبدت بكل غيوم اللاستقرار ونُذر التوتر التي تنفتح على كل الاحتمالات السيئة…
وفي السنة الماضية، أيضا، كان الخطاب قد اختار في عز التوتر والتصعيد والخطاب الحماسي الحربي، أن يطلق مبادرة حسن الجوار وبناء الثقة…
كان الملك محمد السادس يدرك بأن جزءا من رأيه العام، قد تأثر بالحملات المتبادلة وبارتفاع منسوب العداء، ودعا مباشرة إلى تجنب الإساءة إلى الجزائر والجزائريين، ووقف الحملات غير المسؤولة، وكانت الدولة نفسها قد أعطت النموذج من خلال إعلامها الرسمي الذي يتفادى أي تجريح…
الدعوة الحالية هي في عمقها تحيين الدعوة التي أطلقها العاهل المغربي باتجاه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في يوليوز 1202، بهدف تشكيل «آلية سياسية مشتركة للحوار من أجل تجاوز الخلافات« القائمة بين الجارين، تاركا للرئيس الجزائري صلاحيات تحديد التوقيت والصيغة المناسبة لتفعيل هذه الآلية، كما جدد في هذه السنة تطلعه» للعمل مع الرئاسة الجزائرية، لأن يضع المغرب والجزائر يدا في يد، لإقامة علاقات طبيعية، بين شعبين شقيقين، تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية، والمصير المشترك»، مرفوقة بدعوة إلى وقف الحملات الإعلامية وشحن النفوس وتأجيج الوضع بما لا يسمح بالتحكم فيه، وتفادي تحويل الخلاف السياسي إلى «موجة عمق» شعبية قد تفرغ الماضي من جوهره الأخوي وتشل المستقبل، وتحرق السابق واللاحق…
وقد صار من نافل القول التذكير بأن الفترة مابين 30 يوليوز 2021 و30 يوليوز 2022، عرفت ارتفاع درجات التوتر،
وكانت سنة متوترة حقا، بين القطيعة الديبلوماسية من جانب واحد والتمرينات العسكرية والتراشق الإعلامي، لاسيما الشعبي منه، والزيادة في الانفاق العسكري بما يتراوح بين 8 % و12 %، وهي أجواء لا تسعف في وضع تصور عقلاني وموضوعي لقراءة الحاجة القصوى للمصالحة، في سياق تفاقم الوضع الجيواستراتيجي في المنطقة، وحِدَّة المواجهات بين الكتل العسكرية ما بين موسكو من جهة وواشنطن والناتو من جهة ثانية، وقد انعقدت قمة الناتو على مقربة من البلدين، في وقت ارتفعت حدة المواجهة بين إسبانيا والاتحاد الأوروبي من جانب والجزائر من جانب ثان، بعد أن كان المغرب قد عرف نفس السيناريو منذ سنة مضت، في عز التوتر بين مدريد والرباط…
رأى الكثير من أصحاب القرار في المغرب أن دعوة الملك هي دعوة لعدم السقوط في دوامة المحاور الاستراتيجية، التي نشطت من جديد على ضوء الأزمة الروسية الأوكرانية، والتي أصبح حوض المتوسط وشمال إفريقيا مسرحا لها من جديد…
إصرار المغرب وملكه على المصالحة الثنائية، قد نجد جذوره ومنشأه، في تقدير الموقف الذي قام به الملك في أحد خطاباته السابقة، في وضوح غير مسبوق، عندما نبَّه إلى أن القوى العظمى تجد مبررات للتدخل واستصغار بلدان المنطقة…
فقد تحدث العاهل المغربي في خطاب الجمعة 20 غشت 2021 عن كون المغرب «يتعرض، على غرار بعض دول اتحاد المغرب العربي، لعملية عدوانية مقصودة»، مشيرا إلى أن بعض الدول، «خاصة الأوروبية»، التي تعد «للأسف من الشركاء التقليديين، تخاف على مصالحها الاقتصادية، وعلى أسواقها ومراكز نفوذها، بالمنطقة المغاربية».
بل إنه برَّأ أنظمة الدول المغاربية من كونها أصل المشكل، بل نَسَبه إلى بعض القادة الأوروبيين الذين لم يستوعبوا بأن المشكل ليس في أنظمة بلدان المغرب الكبير، وإنما في أنظمتهم، التي تعيش على الماضي، ولا تستطيع أن تساير التطورات».
ولعل الإصرار المغربي، كما طابعه العقلاني، يروم قراءة مشتركة في بناء فهم موحد لمتغيرات المنطقة، والتحرر من إرث لم يساهم فيه القادة الجدد في المغرب وفي الجزائر، وتحكمت فيه ظروف الماضي والصراع التنافسي على الريادة.
كما أن الإصرار المغربي قد يجد جذره السياسي في القمة العربية، والتي من المنتظر أن تحتضنها الجزائر، وفي سياقه تسعى الرباط إلى التعبير عن الاستعداد في المجهود المطلوب لتوفير شروط تنقية الأجواء…
الرد الجزائري الرسمي والصريح، ما زال لم يصدر بعدُ، وقد كانت المناسبة سانحة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، يومين بعد الخطاب ـ الدعوة لكي يتفاعل في حوار أجراه مع وسائل إعلام جزائرية لكنه فضل الصمت وعدم الرد، وفي نفس الوقت أعربت المنابر الإعلامية الجزائرية عن ردود فعل تراوحت بين التشكيك في الدعوة أو التجاهل بدعوى أنها لا تمثل حدثا…
وتظل القضية الوطنية الأولى للمغرب الصحراء، في صلب الخلاف، وهي تفاحة الخروج عند كل منعطف، وإذا كان من البديهي أنه لا يمكن توسل طريق للحل إلا بالحوار، من أجل وضع كل النقط الخلافية على مائدة التفاوض، وفتح مسارات التفاهم بعيدا عن هذا الجوهر الملتهب، إن من الممكن، بالنسبة للمغرب»، الفصل بين القضية الوطنية للصحراء وباقي عناصر العلاقة، ما دامت القضية معروضة على الأمم المتحدة و«بتعبير مغربي» القضية المعلقة تطيح، أي كل قضية عالقة لا بد أن تسقط ذات يوم، كما عبر عن ذلك أحد القادة الوطنيين سابقا…
ولعل من حسنات الدعوة، (في منطق حرب أولها الكلام)، الحديث الصريح لملك المغرب عن رفض أي هجوم أو إساءة للجزائر والجزائريين إعلاميا وإلكترونيا أو بغيره من الوسائل، والواضح أن القيادات العاقلة، والتي تحتاجها الشعوب في وقت التصعيد هي التي «تصحح» عواطف شعبها ولا تشتغل عليها أو تحوِّلُها إلى استثمار سياسي، وقد عانت الشعوب العربية عموما من الأنظمة التي تنقصها الشرعية فتسعى إلى استنبات الشعور العدائي بالبحث عن العدو الخارجي، وتحويله إلى مشروع سيادي وإسمنت للُّحمة الوطنية.
ولا شك أن هناك حاجة جيواستراتيجية للعقل وتعطيل الغرائز التناحرية في الفضاء المغاربي لما لـ «اللامغرب» من كلفة سياسية واقتصادية وإنسانية… إلخ.

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 11/08/2022