المغرب و…. فقر الماء!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
في المغرب يعادل الحكم، سقوط المطر، أو Au Maroc gouverner, c’est pleuvoir. هذه العبارة التي تنسب خطأ إلى الجنرال ليوطي، قالها في الواقع «تيودور ستيغ»، الذي شغل منصب الحاكم العام للمغرب المستعمَر من 1925 إلى 1929، سنة ميلاد المرحوم الحسن الثاني، الذي أدرك عمق المقولة وعمل بها.
والوجه الآخر للعملة هنا، هو أن الجفاف قد يقلب كل التوازنات الاقتصادية والسياسية في البلاد…
بيْد أن الماء ليس نظرية في السياسة والاقتصاد فحسب، بل هو أولا وأخيرا مسألة حياة وموت الشعوب والأفراد.
الآن، السماء قاحلة هذه السنة، لا غيم في الأفق ولا مطر. الجفاف يحفر من الآن أخاديد في الأرض، حيث لا مياه ستهدر فيها. الجفاف قادم، والسدود في مستواها الأكثر انخفاضا، بفارق كبير عن الفترة نفسها من السنة الماضية…
وبعيدا عن إسقاطات التساقطات المطرية على المحصول الزراعي، الذي يعد احتياطيا استراتيجيا حاسما بالنسبة لبلاد مثل بلادنا، وعلى الاقتصاد القروي وعلى أوضاع الفلاحين الصغار والمتوسطين وأسرهم، وهو ما يتطلب استراتيجية سريعة واستثنائية، هناك إسقاطات العطش…
ماذا نملك نحن من الوسائل لاستباقه؟
نحن لا نملك من شؤون السماء سوى الصلاة والتضرع للعلي القدير…
ولا نملك أمام التغيرات المناخية سوى أن تدرك البشرية أنها ذاهبة إلى جحيم حتمي إن هي لم تعد النظر في سلة مهملاتها النووية والغازية والكاربونية…
وقد ساهم المغرب، باحتضانه لمؤتمر المناخ في مراكش، مساهمة تحسب له في التحريض على هذا الوعي، وامتلاك ناصيته، لكن مخرجات المؤتمر والمؤتمرات قبله وبعده، مرهونة بقرارات كبار العالم، وباستراتيجيات دولية.
ماذا يتبقى لنا إذن؟
بيدنا فقط الاستراتيجية الوطنية للماء… ولنا منها الواقع الحالي، ولنا منها المستقبل في أفق 2030 ثم 2050.
في التوصيف الراهن تسجل كل الهيئات والمؤسسات المنشغلة بالماء تراجع حصة الفرد المغربي الواحد إلى أقل من 650 مترا مكعبا سنويا، ابتداء من 2015 مقابل 2500 متر مكعب سنة 1960، ومن المتوقع أن تقل هذه الكمية، وهي حاليا أقل بكثير من ما يسمى «مستوى فقر المياه» البالغ 1000 متر مكعب للفرد في السنة.
ومن المتوقع منطقيا أن يزداد الوضع ندرة، مع ما تتطلبه معدلات النمو السكاني والتوسع الحضري السريع والتغيرات في بنية الأسرة والازدهار الاقتصادي، وهي كلها مجالات لصناعة العطش والإفراط في استهلاك الماء ترفع من الطلب عليه.
فقر الماء الحالي والقادم، وضع مقلق ويزداد ضغطا على صاحب القرار، إذا علمنا أن حصتنا من الماء منخفضة عن المعدل المتعارف عليه دوليا..في وقت لنا أوراق رابحة كثيرة.
فالوضع الموسوم بفقر الماء، يوجد والمغرب يتوفر على شبكة سَدِّيَة من 149 سدا كبيرا بسعة إجمالية تقدر بـ 19 مليار متر مكعب، كما توجد 5 سدود كبيرة جديدة، بسعة 525 مليون متر مكعب، قيد التنفيذ…
لنا ما نفتخر به، إذن، لا سيما وقد كشف الجمود الذي ساد حركة العالم طوال سنتي الحجر الوبائي بأن المغرب يستطيع أن يوفر الغذاء لأبنائه بفضل هذه السياسة السَّدِّية… الوثابة والاستباقية…
يضاف إلى ماسبق وجود شبكة من عدة آلاف من العيون والآبار لتخزين المياه الجوفية.
وقد ضَمِن المغرب بفضل هذا، تأمين إمدادات مياه الشرب للتجمعات السكنية بحواضرها وبواديها، علاوة على شبكة ري حديثة تغطي ما يقرب من 1.5 مليون هكتار…
لنا أيضا منظومة حديثة لإدارة المخاطر من خلال الحماية من السيول والفيضانات، واستخدام واستعمال المياه في توليد الطاقة الكهرومائية، وهذه المنظومة الشاملة تكشف عن وجود استراتيجية فعالة لإدارة الموارد المائية للـ20 عاماً القادمة…
خلاصة القول إن المغرب يراهن على:
1 – تحلية المياه.
2 – بناء سدود تلية.
3 – نقل المياه من المناطق التي تعرف وفرة في مياهها الجوفية إلى تلك التي تشهد نقصا موسميا.
4 – زيادة منسوب الوعي بضرورة الاقتصاد في استخدام المياه.
في الوضع الاستعجالي الحالي، أمام نُذُر الجفاف وما يليه من عطش.. هناك مخططات على الورق وأموال في الميزانية حيث تم تخصيص أزيد من مليار و300 مليون درهم من أجل البحث عن مياه جديدة لمد السدود أو تحلية المياه.
كما أن البلاد تفكر في سدود تلية في زمن الجفاف وتسير نحو بناء 120 سدا تليا في أفق2024.
ومن مفارقات هذه السدود التلية أنها مخطط ضد .. الفيضانات وضياع المياه، في سنة لا مياه فيها تفوق المعدل!
السدود تستوجب مياه بالكثرة، مياه غامرة ونحن في زمن الجفاف والسماء مقفرة!
بالنسبة للاختيار الأول، والمتعلق بتحلية المياه، فقد سبقنا إلى ذلك منذ 1973!
ففي تلك السنة أطلقت بلادنا أول محطة لتحلية المياه بمدينة طرفاية ، وتلتها محطات صغيرة في الجنوب ومناخه الصحراوي الجاف، بيد أن قدراتها تقف في حدود أمتار مكعبة قليلة يوميا.
اليوم انطلقت في ثلاث جهات على الأقل مغامرة محمودة في سياق تحلية مياه البحر، ومنها محطة أكادير، والتي تعد إحدى أكبر محطات تحلية مياه البحر في حوض المتوسط وإفريقيا…
وتبلغ سعتها في مرحلة أولى 275 ألف متر مكعب في اليوم، منها 150 ألف متر مكعب موجهة للمياه الصالحة للشرب، وتمكن ما يناهز مليون و600 ألف نسمة من الحصول على هذه المياه في جهة سوس ماسة …
في باب نقل المياه وترحيلها من فرشات ثرية إلى أخرى ضامرة، لا أعرف لي مثالا، ولعله جهل مني، لكن لا أثر لهذه العملية في محركات البحث…
نصل إلى الخيار الرابع والمتمثل في الرفع من درجة التحسيس بضرورة الاقتصاد في الماء واستعمالاته.
هنا، شقان، الأول متعلق بالثقافة الفردية، واليقظة الذاتية للضمير، والشق الثاني في حالة ظل الضمير جافا وقاحلا ولا ينظر أبعد من صنوبر ..
ففي الوقت نفسه ما زالت المساحات الخضراء تسقى بمياه الشرب
وملاعب الكولف وملاعب القرب، والسيارات تغسل أمام الكاراجات والبيوت بأدْلاء من الماء واستعمال خراطيم المياه، وما زالت حاجاتنا من الماء في الاغتسال تفوق كل ما قد نحتاجه، وفي هذا المجال لا بد من اتخاذ القرارات الزجرية، بالقانون، وبالدعائر.
هناك دول مجالها المائي أغنى من مجال المغرب وغطاؤها الغابوي والأخضر يفوقنا بكثير، واتخذت فيها عشرات القوانين والمراسيم…
عودة إلى البئر التي أودت بالطفل ريان أورام ، فقد كانت بئرا جافة، دفينة لا ماء فيها، وعبارة والدته بأنها لم تشرب ولو كوب ماء منها، تثير فينا الحاجة إلى استعارة هذه الصورة لختام الحديث عن الجفاف القادم إلى المغرب…
جفاف سيضرب الماء الشروب
فتموت الأرض قبله
وتموت البهيمة
ويعطش الإنسان
كما لو أننا كلنا في بئر جافة
ولن يقبل من السلطات العمومية والمشرعين أن يجعلونا ننتظر العطش، بإجبارية وقدرية لا مثيل لهما.
كما لو أننا نساق إلى العطش تحت الإكراه البدني..
قد نحل مشكلة الحليب بـ«الحليب المجفف» المعروف مغاربيا بـ«لَحْليب غبْرة».
لكن لحد الساعة لم تكتشف البشرية بعدُ تقنيةً لصناعة .. الماء المجفف، «المْا غبْرة »!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 10/02/2022