الملك والرئيس البوخاري يعلنان تكسير محور الجزائر – نيجيريا- جنوب إفريقيا

عبد الحميد جماهري
في بلاغ الديوان الملكي، الخاص بالمكالمة الهاتفية بين ملك البلاد والرئيس النيجيري، اطلع المغاربة على محاور المكالمة إياها، عبر ثلاث نقط، صيغت بلغة مقتضبة وتلغرافية، تحيل مع ذلك على مواضيع ذات حمولة استراتيجية شاسعة الطيف،
هناك:
أولا، إحالة على «الزيارة الملكية إلى نيجيريا في دجنبر 2016 وزيارة الرئيس بوخاري إلى المملكة في يونيو 2018».
ثانيا، مواصلة المشاريع الاستراتيجية ولا سيما خط الغاز نيجيريا – المغرب وإحداث مصنع لإنتاج الأسمدة في نيجيريا.
ثالثا، دعم المملكة التضامني في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.
والواضح أنها عتبات لقراءة نص البلاغ، إذا ما نحن استعرنا قاموس أهل النقد الأدبي، أو سعينا إلى تبئير البلاغ سياسيا وجغرافيا.
النقطة الأولى، تأسيسية لعلاقة بين دولة المغرب ودولة نيجيريا، التي شكلت إلى عهد قريب للغاية الحلقة الوسطى في محور الجزائر- أبوجا- بريتوريا، والتي جمعت دولة محمد البوهاري إلى دولة تبون وسيريل رامافوزا.
وكان المحور الذي يصنع الكثير من التوجهات في القارة، ويتوزعها بناء على نفوذ التأثير ودوائره: أي شمالا ووسطا وجنوبا.
وكانت الزيارتان، في شبكة القراءة الاستراتيجية، تكسيرا لهذه الحلقة والمحور الذي استندت عليه جزائر بوتفليقة من قبله كجدار ديبلوماسي واقتصادي وعسكري، يحرم المغرب من عمقه الإفريقي ويغطي على مجهوداته وحكمته وانتمائه العميق لأسرته المؤسساتية.
ونيجيريا، التي يجب الإقرار أن الرأي العام الواسع يجهل عنها الكثير، أو لم يتم تداولها باستمرار في أدبياتنا الوطنية والإعلامية، كما حدث ويحدث بالنسبة لجنوب إفريقيا مثلا والجزائر بالدرجة الأولى، موقعها الجيواستراتيجي، وهي البلد المرشح لأن يكون ثالث أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، يجعلها كدولة تملك مؤهلات كبرى للريادة الإقليمية في مجالها الحيوي، كما يتبين من خلال خارطة تموقعها.
فموقعها الجغرافي – الاستراتيجي يضعها في ملتقى الطرق السيارة وفي قلب المحاور الاستراتيجية، فهي تنتمي إلى «المحور الصحراوي»، الرابط بين حوض الأبيض المتوسط شمالا وإفريقيا جنوب الصحراء، ومنه ينتظر أن يمر الأنبوب ، وفي عمق هذا المحور وقلبه يوجد التراب المغربي،
ثم «المحور الساحلي»، الذي يعبر القارة من غربها إلى شرقها، من الرأس الأخضر إلى البحر الميت بعيدا في آسيا..
ويليهما «المحور الغيني» على طول المحيط الأطلسي، من موريتانيا إلى الخليج الغيني.…
ويمكن تقدير المؤهلات الكبرى لهذه الدولة، وما يعنيه خروجها من محور العداء للمغرب..وأيضا الحجم الحقيقي للخطوة الشجاعة لملك البلاد منذ 5 سنوات.
النقطة الثانية المتعلقة بالمشاريع الاستراتيجية، تضع العلاقات، آنا ومستقبلا، في منطق الاستمرارية، ولسنا هنا بصدد تفاعلات متقلبة مع وضع مؤقت، بل هو إعلان عن أفق بعيد المدى، من خلال مشروعين مهمين، هما مشروع الأنبوب الغازي، وثانيا مشروع الأسمدة…
سنستوفي كل العناصر في معالجتنا السريعة بالتذكير بأن الملف كان بين نيجيريا والجزائر، والتي كانت تعتبره تتويجا لعمل المحور الثلاثي، في ما يتعلق بسياستها القارية، ثم نقطة ارتكاز اقتصادية كبيرة، تجعل بلدا منافسا وقويا من حيث الاحتياط الغازي والنفط مرتهنا بها وأيضا رهينة العبور من ترابها إلى أوروبا، التي تشكل فيها ثالث دولة مصدرة للهيدروكاربورات،والمحروقات، إلى جانب روسيا والنرويج.
والأهم من ذلك أن يحافظ على التمحور قائما ضد لمغرب!
بالنسبة لنيجيريا، هو ثان خط أنبوب غاز، إذ تتوفر من قبل على خط يربطها بغانا، مرورا ببنين «والطوغو، لكن الخط مع المغرب، يجمعها بدول السيداو، (مجموعة غرب إفريقيا)، وتبين كلفته أنه مشروع ضخم يتطلب شراكات كبرى للاتمامه ، إذ تتراوح مبالغه ما بين 20 و25 مليار دولار، ومن آثاره المعلنة، الزيادة في قوة الصناعات الإقليمية، ودعم إنشاء أقطاب صناعية، تسهيل وازدهار القطاعات الصناعية والرفع من تنافسية الصادرات بين الدول، وهو ما سيجعل إفريقيا الغربية تتمتع بالاكتفاء الذاتي، إضافة إلى تطوير الصناعات الغذائية والأسمدة، ولهذا ورد في نص المكالمة حديث عن إحداث مصنع لإنتاج الأسمدة في نيجيريا، وفي الاستفادة المباشرة للساكنة، يتوقع أن يضمن الخط توليد الكهرباء لفائدة 300 مليون نسمة، إضافة إلى التأثير في طرق تمويل أوروبا، من حاجتها إلى المحروقات بدلا من الامتثال إلى ثلاثي روسيا والنرويج… والجزائر!
مقابل الحساب الاقتصادي الجاف، نجد أن نيجيريا هي القوة الاقتصادية الثانية في القارة السمراء، بعد جنوب إفريقيا، وهي صاحبة الكلمة الفصل في سياسة السيداو، بالنظر إلى حجم تأثيرها وتمويلاتها، التي تصل إلى ما يقارب نصف ميزانية هذه المنظمةة الإقليمية في القارة…
ولا شك أن ما يبرهن على ذلك، هو كون المنظمة كان لها دور في تسريع الدخول في تنفيذ الخط، بعد أن وافقت على الدراستين المتعلقتين بالأنبوب، الشيء الذي اعتبرته جنوب إفريقيا والجزائر ضربة موجعة، ولا سيما ما سيلي ذلك من تعاون للمغرب من داخل هذه المنظمة مستقبلا.
وبالسنبة للمغرب، يشكل الأنبوب طموحا استراتيجيا، والنجاح فيه يسمح له باختراق السوق الأوروبية، سيجعله يحقق أحد أهدافه التي أعلنها ملكه في الكثير من اللقاءات والقمم والمواقف بأن يكون البلدان رائدين في مجال التعاون جنوب – جنوب.
ثالثا، هذا البلد العملاق، يبهر في أحيان كثيرة كما لو كان عملاقا بقدمين من طين، كما تعودنا الحديث في الجغرافيا، وفي أحسن الحالات يسمى العملاق الأعرج، وذلك بسبب الشروخات الكبرى، اثنية منها وعقدية، إقليمية وتاريخية… وفي صلب خطوط النار، تواجه البلاد مسألتان للمغرب فيهما خبرة ليست بالهينة، هما مواجهة الإرهاب، والانفصال.
ونيجيريا، من خلال المكالمة بين البلدين، تعول على المغرب، في جوانب الحرب المباشرة للإرهاب، ليس فقط كمجهود مخابراتي واستعلاماتي، بل أيضا كمجهود ديني وروحي، ومعلوماتي، من خلال ما يتجمع له من معلومات، عمليا وعبر شبكة الاتصالات.
وقد تزامن هذا الحديث موضوع المكاملة، مع ما نشرته – في سابقة من نوعها – المخابرات الفرنسية منذ فترة، وهو عزم تنظيم القاعدة المرتبط ببوكو حرام وشبيهاتها توسيع عمله باتجاه خليج غينيا…
وقد نقلت وكالات الأنباء، يوم أمس، تصريحا للفرنسي برنار إيمييه، رئيس الاستخبارات الخارجية الفرنسية، يقول فيه إن تنظيم القاعدة في منطقة الساحل يعد حاليا «مشروع توسع» باتجاه خليج غينيا وخصوصا ساحل العاج وبنين.
وفي مداخلة علنية نادرة إلى جانب وزيرة الجيوش فلورانس بارلي، عرض رئيس الإدارة العامة للأمن الخارجي صورا لاجتماع عقد في فبراير 2020، ضم كبار المسؤولين المحليين في هذا التنظيم الإرهابي في وسط مالي.
ونيجيريا كما أشرنا أعلاه، في تلاقي مسارات الدول المعنية، وستكون قاعدة متحركة في باب الاستهداف الإرهابي.
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 03/02/2021