المنعطف البريطاني يزيد من دوخة الخصوم

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
قررت بريطانيا الخروج من وضعية الشاهد التاريخي الصامت إلى الشاهد الناطق، فهي بعد 250 سنة من العلاقة التي تربطها مع المغرب، تدرك بأن المملكة كانت عند توقيع الاتفاقية، تضم كل أقاليم الصحراء، وتدرك أن علاقة السلطان المغربي، بوضعيته الدينية المشابهة للعاهل الإنجليزي، هو رمز السيادة في تلقي البيعة من سكان الصحراء أو في توقيع الاتفاقية.
هذا المنعرج البريطاني أضحى قيمة تاريخية وسياسية إضافية، واصطفافا مع قوتين اثنتين في مجلس الأمن تجمع بينهما علاقات متراكبة سواء الولايات المتحدة أو فرنسا.
لن نقف عند ما سجله البيان المشترك إلا لطرح السؤال: ما الذي لم تفهمه الجارة الجزائر في البلاغ المشترك، في أنها غضبت واستصغرت وأنكرت المنعرج البريطاني في نفس البيان؟
أول ما يثير في البلاغ هو اعتماده نفس الموقف السيكو- سياسي كما في السابق، لكن مع شعور بالدوخة الكبرى لأن كل المرتكزات التي بنت عليها ديبلوماسية الأزمة والعدوان تجاه المغرب تنهار، ولعل من أهم ذلك، الإقرار البريطاني في البلاغ المشترك بالحقائق التالية:
– قضية الصحراء قضية وجود بالنسبة للمغرب ولا يمكن التفكير في مستقبل لها إلا من داخل سيادته ووحدته.
– الإقرار …… بالاندفاعة الديبلوماسية التي أطلقها ملك المغرب عبر الحكم الذاتي والالتفاف الدولي حولها، في حين يشير بلاغ الخارجية الجزائرية إلى مقترح لا يحظى باهتمام دولي ولا باهتمام المبعوثين الخاصين !
– الإقرار بالمركز الجيواستراتيجي للمغرب كناظم إقليمي في شمال إفريقيا وفي باقي مناطقها، يصنع الاستقرار والسلام وشروط التنمية، وهو ما لم تسلم به الجزائر منذ وجدت وزادت حساسيتها إزاءه مع «»تضخم القوة الضاربة»«.
– الالتزام العلني، على غرار فرنسا وأمريكا، بالعمل على تنزيل الحق المغربي من خلال الحكم الذاتي، سواء في علاقاتها الثنائية من داخل مجلس الأمن ومن خلال لائحة علاقاتها. الثنائية والدولية، ويمكن في هذا الخصوص توقع تنسيق …( بريطاني – فرنسي – أمريكي«)على المستوى الدولي، وبالخصوص في صناعة قرارات مجلس الأمن علاوة على عملها في دوائر نفوذها: »الكومنولث« وإفريقيا الأنغلوفونية، وبهذا الخصوص كان المغرب قد راكم المكتسبات في القوس الأنغلوفوني بالقارة السمراء ولابد أن تزداد وتيرة الإنجاز.
كل هذه المعطيات تثير غضب الجزائر، لكن الأساسي أنها تحشرها في دورها الطبيعي: نظام دولة لصناعة أسباب التوتر والأزمات في شمال إفريقيا والمتوسط والقارة الإفريقية.
ولعل من العناصر القوية في المنعطف الإنجليزي الذي تم ترتيبه بهدوء، ما يتعلق بالاستثمار الاقتصادي في المناطق الجنوبية واعتبارها من تراب المملكة بما يبلغ 5 مليارات جنيه استرليني.
ولابد هنا أن نعود إلى سياق الحرب الاقتصادية ضد المغرب في أوروبا لاسيما أمام محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، علما أن المحكمة العليا البريطانية كانت قد أعطت درسا في القضاء الدولي، بخصوص هذه النقطة، كما أن الأهم هو كون بريطانيا قد خلقت مرجعا دوليا وأوربيا بالتحديد، يقوي موقف المغرب.
وهذه النقطة بالذات كانت الطبقة الحاكمة في الجزائر قد جعلت منها حصان طروادة لإزعاج المغرب وتعبئة فلول مناصريها من كل الأقليات الإيديولوجية.
لقد حاول البلاغ الجزائري أن يرد على حقيقة صارت دولية، فلم يجد أمامه سوى الحيرة والتخبط ومحاولة إحياء البروباغندا التي قامت عليها سياسته إزاء المغرب بخصوص الوضع في الأقاليم الجنوبية.
ومن المحقق أن هذا المنحى الجديد، الذي يسير نحو طي الملف بمناسبة خمسينيته، يؤكد بأن النظام في الشرق لا يجد ما يقدمه للعالم، اليوم، سوى …عزلته ولغته الخشبية.
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 03/06/2025