اليوتوبرز والزعيم الإسلامي…. وعزيز الحكم!

عبد الحميد جماهري
لم يخطر ببالي أبدا أنني سأقف في حيرة جبرية وجبارة من أمري، عاجزا عن المفاضلة بين التحليل السياسي لرئيس الحكومة السابق أو الأسبق، وبين المؤثرة التواصلية «اليوتوبرز» مايسة سلامة الناجي.
وحقيقة، لم أقدِّر، ربما لسذاجة مفرطة أو لجهل معمم، أو ربما بسببهما معا، أن يصل الخلاف السياسي بين عبد الإله ومايسة، وأكتفي هنا بالاسمين الشخصيين من باب التخفيف لا من باب الحميمية، درجة أصبح من المستعجل وربما المنطقي، انطلاقا مما أوحيا به، التفكير في … تحكيم ملكي!
ولقد ترددت كثيرا في هذا الاستنتاج، الذي بدا لي مهيبا وعلى قدر كبير من الخطورة والمجازفة…
وإذ أؤكد أنه ليس في الأمر أي خطأ لغوي أو استهتار بالقضية، أقدم التحليل كما بدا لي ولله أعلم…
فقد طالبت هي، أي مايسة، أن يزاح رئيس الحكومة حالا، وبدون تأخير…
ورأت أن نكتفي في تفعيل القرار تعجيل التدخل الملكي، ولا تهم الطريقة في ما فهمته لا في ما قالته: برسالة قصيرة
عبر الهاتف، وربما بلاغ مقتضب يعلن فيه هو نفسه نهاية مرحلته وإقناعه بما قالته، ولو كان ذلك بلغة غاضبة…
ودون انعقاد أي جلسة برلمانية ولا تغيير في الأغلبية، وبدون الحاجة إلى أي معيار سوى ما يمليه عليها مزاجها في أثناء تسجيل الفيديو ومخاطبة ملايين المغاربة…
وما تراه سببا في إزاحة الرئيس الحالي وتعويضه بوزير سابق، يبدو أن لعيني زرقاء… اليمامة الشهيرة قدرة على رؤية المستقبل.
وعكس مايسة، لم يستسغ عبد الإله هذا الشطط في استعمال الحرية واليوتيوب، ودعا إلى إعطاء مهلة للحكومة الجديدة، ووضع لرحيلها سقفا زمنيا وسياسيا في مدة سنة، وإذا لم تقنعنا بالإصلاحات وبالرفاهية، سيكون من المنطقي، حسبه، اللجوء إلى ملك البلاد، من أجل حل الحكومة وتنظيم انتخابات جديدة، لا شك أنها ستطيح بالحكومة الحالية… وأغلبيتها.
والواضح أن النقاش السياسي بين الرئيس ومايسة، يتضمن الجدولة الزمانية والإخراج السياسي وإمكانيات المستقبل … ومن المنطقي أن يستشعر المغاربة بعضا من الضرورة في متابعة هكذا نقاش، لو أنه طرح بالبلاغة المطلوبة، حتى وأن الفارق بين زعيم حزب سياسي وبين يوتيوبرز لها حضور قوي في التواصل الاجتماعي، هو فارق كبير في الدرجة والطبيعة… بيد أن الذي لم يستوف شروط الحوار، هو لغة الحوار نفسها.
إذ سرعان ما صار الرجل الذي قاد حكومة ما بعد 20 فبراير، في مسار أتم عقده في شتنبر الماضي، يفضل الانزياح باللغة إلى مستويات لا …سياسة فيها، ولم يسلم منه في خضم هذه النيران العشوائية صحافيون آخرون، ومهنيون أجمعت النقابة على التضامن معهم.
يقول عبد الإله إن سنة واحدة تكفي… للإطاحة برئيس الحكومة والمجيء بمن يعوضونه.
وتقول مايسة إن الوضع مستعجل وتغني مع فيروز:
الآن الآن وليس غدا…
واضح أن عبدالإله يريد أن يضع اليد على كل «السرديات» المرافقة للأحداث الحالية منها الغلاء والجفاف والمحروقات، من أجل استعمالها لغايات محددة، يعتبر بأنها طريقته إلى العودة للتأثير في المشهد السياسي، في حين تميل مايسة إلى نفس السرديات لأجل التعبير عن موقف يعنيها هي وحدها، بلا حزب ولا نقابة سوى من يتابعها…
والمثير أكثر أن الخلافات لم تقف عند حدود الموقف من رئيس الحكومة، ولا من حكومته ولا في المستقبل القريب، بل تجاوزت ذلك إلى «من يصبن… الآخر أحسن»!
هو توجه إليها من أعلى منصة المجلس الوطني لحزبه، وقطر الشمع في البداية قبل أن يضعه على لسانها، حارقا» “معرفناك لا منين جيتي ولا شكون مسيفطك ولا شحال عطينك ولا معطينكش، غير جيتي وبغيتي تولي زعيمة الأمة المغربية”.
وبلغ الغضب عند عبد الإله مبلغا عظيما حتى أنه ذكر اسم المخزن، الذي لم يذكره سنوات عديدة، وقال لها ما لم يقله ابراهام السرفاتي في المخزن أيام اليسار الثوري وغمزها بالقول” »واش غير يسيفطو لك شوية الابزار والتحميرة ويعطوك بعض أخبار »دار المخزن« باغيا تولي زعيمة، ألمنافقة جايا عندي للدار وكتبربصي عليا، ألمنافقة«…”.
رحم لله عنترة بن شداد و«ميميته» حول دار أخرى، تذكرنا بدار المخزن:
«يا دار المخزن بالجواء وتكلمي
وعمي صباحا دار مايسة واسلمي!
لم ينتظرها، لم ينتظر حتى تصبح أمينة عامة ويبادلها نفس السهام ولم ينتظرها إلى أن تكوِّن الإطار المطلوب وتبني حزبا، بل سارع إلى الخروج بخلاصات سياسية أخلاقية ..لا شك أن رئيس الحكومة قد ابتسم وهو يقرأها.
هي أيضا لم تتعطل في الجواب، وذهبت إلى أبعد مما يمكن أن نتصور، مادام بينهما أسرار وزيارات وتنشيطات سياسية، فقد وعدته بالويل والثبور ونهاية لم يعرف من قبلها و…قالت له بدارجة توازي دارجته، «العود لي تحقرو يعميك، أنا نمشي معاك بنقطة بنقطة كيف جيتي وغادي نكشف المغاربة الحقيقة ديالك… كنت شاب منحرف وتكلمت مع علي مرابط وابنة الشيخ ياسين.. من اللي كنتي مع عبد الكريم مطيع كان يقول هاهو جا المخبر… الشيخ العادلي قال لي انت اللي بيَّعت بيه ودخل الحبس»…..
وبين اطلعي واهبط.. قد يسقط خطاب فلا يمكن أن نلوم خطابا آخر على ..طلوع دمه وارتفاع خطاب إلى السقف…
قال لها عبد الإله: اصعدي إلينا في هرم التسيير السياسي، لكي أحدثك»…
وأجابته مايسة: انزل أنت «عند العود» لكي أخرسك!
وقال الرواة: إن ذلك آخر فصل من حوار سياسي شاع وتناسل في الوسط، زمن الجفاف والأسعار والكوفيد وندرة الماء…
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 23/02/2022