برشمان الزمن السياسي …! نسج الدولة السلطانية والدولة الوطنية في المغرب 1/2
عبد الحميد جماهري
منذ البداية يغري العنوان، ويعد بتخوم غير مسبوقة في تفكر فن الحكم في المغرب. كتاب محمد الطوزي وبياتريس هيبو، حول «حياكة الزمن السياسي في المغرب، مخيال الدولة في العصر النيوليبرالي، مع مغامرة تطوح بمتلقيها في مناطق غير مسبوقة، بالرغم من اعتماده على مفكرين معروفين أمثال ماكس فيبر.
نحن أمام محاولة تفكيك التعالق الموجود بين فن الدولة الإمبراطورية، أو السلطانية، كما نقترح، وفن الدولة الوطنية، في الحكم، في عصر حاضر ليبرالي!
بعد العنوان يأتي المتن الفكري، والفلسفة السياسية التي تحكم عملية التفكيك. وهوما كشف عنه حوار عميق وشيق، تم في معهد العالم العربي بفرنسا، مع الكاتبين، حول محاولة الإحاطة بعمل تم على ثلاثة عقود، والتقى فيه المؤلفان، الطيف النخبوي بالمغرب، من الحميمين للقصر إلى التقنوقراطيين إلى صغار الموظفين، ومتابعة المورد البشري البسيط في دواليب دولة تعود إلى قرون عديدة. وقال صاحب الكتاب إنهم اشتغلوا مع المقربين من الملك ومع الذين يشغلون دائرة التقنوقراطيين بل والمرؤوسين المجهولين، كل من »مرت الدولة عبرهم أو بواسطتهم«، في كل الحقول، الاقتصاد الجمعوي السياسي والمدني الديني.. إلخ ..
في الحوار الشيق، عتبات للتقدم في خرائط الكتاب، وفيه أيضا مغريات للتفكير الراهن، والسريع إذا شئنا، في كيفية تمفصل الدولة السلطانية والدولة الوطنية المعاصرة، في نفس اللحظة من تاريخ المغرب.
هو عمل حول فنون الحكم تم خلاله استدعاء ماكس فيبر وأمثاله..
وقد كان لافتا للغاية، وأنا أتابع هذا الحوار الذي وصل من لدن أصحابه مشكورين، أن الطوزي قال» إن هناك إكراها أن تكون متوقعا، فكريا، كمغربي الوصول إلى المعلومة حول صناعة الحكم في بلادنا«..
الكتاب تذكرة ذهاب إلى الماضي السلطاني للدولة وعودة إلى حاضرها، ذهابا وإيابا، تكون فيه وسيلة الاستعانة بالحداثة في قراءة التراث، بالتراكم الموجود حاليا في الفلسفة السياسية، تقرأ فنون الحكم السلطاني، ومدى حضورها في اليومي المغربي الآني.
الطوزي باحث هادئ وجد محترم، يشتغل بجرأة وبعقلانية، وهو من خيرة عقول المغرب حاليا، يشارك في المحطات الرئيسية في المغرب الحديث( الخمسينية، الدستور الأخير، النموذج التنموي … إلخ )، وبالتالي فهو غير غريب عن تشكل أفعال الدولة، في الراهن كما في الماضي القريب.
والباحث الذي منع كتابه حول الملكية والإسلام السياسي، يشارك بفعالية نادرة حقا في فهم الدولة وأدوات اشتغالها،. ومما استرعاني شخصيا في حواره هو وبياتريس هيبو، هو الحديث عن المخيال السياسي عند الدولة.
كيف يمكن أن نتحدث عن «مخيال للدولة»، كما لو أننا نتحدث عن فرد؟
في تقريب الصورة يعطي الطوزي مثالا لا ننتبه إليه كثيرا، وهو مثال الأفراد من نخب راقية، خريجي مدارس ذات سمعة عالية مثلا، وقد يكونون منحدرين من زيجات مختلطة، ومن ثقافتين مختلطتين، فرنسية مغربية مثلا، هؤلاء الأفراد قد يشغلون مناصب عالية مثلا الرئيس المدير العام لشركة وطنية عمومية عملاقة، لكنه يسعى دوما لأن يظهر بمظهر الفرد الذي يخدم الدولة ويتصرف كما لو أن الأهم بالنسبة إليه هو أن يظل بالقرب من مصدر السلطة، ومرافقته شهورا عديدة بدون الحاجة إليه أو بدون تغطية أتعابه! فقط لكي يشعر بأنه مستعد للخدمة..
وهنا يقف الطوزي عند هذا »الخروج من زمن إلى آخر سابق عليه بعقود، بل بقرون، بسلاسة وكما لو أن الأمورعادية «.
وتكون العبرة من ذلك أن ما يسميه الباحثان بالمخيال الخاص بالدولة، يستطيع أن »يمفصل أشياء قد تكون متناقضة، وخلق الانسجام بينها»!
لقد تناول الحوار الذي استمر ساعة ونيفا، مداخل أخرى، في هذا السياق، ومنها العنف، والمصالحات .
نسج العقلانية السلطانية والعقلانية المعاصرة، ظهر أيضا في تدبير الوباء.. حيث القرارات تتخذ ضمن دائرة الدولة / الأمة، المعاصرة أولا من أعلى، ثم تعلن عن طريق الوزارات المعنية، الداخلية والصحة، ثم يأتي التطبيق، الذي يدرج فاعلين من زمن عتيق هم المقدم والباشا والشيخ …مثلا، مورد بشري من الزمن الإمبراطوري..
السفر مع الباحثين، في اللقاء الذي أداره عبد الرحيم حفيظي، وهو أستاذ جامعي ومعد برنامج حول الإسلام في قناة «فرانس 2»، يبحث في تلاقي منطقين في الدولة المغربية، منطق الإمبراطورية الشريفة، ومنطق الدولة الأمة أو الدولة الوطنية الحديثة كما تعارف عليها البشر في عصرنا.
درس في السوسيولوجيا التاريخية المقارنة للدولة المغربية، وبحث في التوترات والتعايشات بين المنطقين، والتي تحدد تاريخانية المخيال السياسي المغربي..
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 01/05/2021