قد تكون بريطانيا العظمى، كما قال أحد الكتاب القدامى، جزيرة عائمة، تقترب أو تبتعد من أوروبا حسب رياح تشتهيها سياستها، وليس بالضرورة ما تشتهيه السفن الأوروبية.
لكن هذه الجزيرة العائمة، من زاوية أوروبا..لها ثوابت، علمت العالم معنى السياسة، والمصلحة الوطنية.
سبب هذا التلويح، هو تحولات البريطانيين، باتجاه المغرب..
إلى عهد قريب للغاية، كنا ننبه أن لندن قد تتحول إلى منصة مناهضة للوحدة الوطنية، وساحة للتحركات المناهضة والمعادية، وأنها قد تكون مقدمة لشيء ما لا نعرفه عن دولة عظمى ..
منذ سنتين كان الوضع على الشكل التالي:
فقد كشف الحكم الصادر عن محكمة العدل الأوروبية، في مارس 2018، أن المملكة المتحدة أصبحت منصة لإطلاق الصواريخ المضادة للمغرب.
وهو «اكتشاف» كان ثمنه قاسيا في الواقع، كما سيتضح من بعد، فقد تحملت منظمة تعرف نفسها باعتبارها منظمة للتضامن مع شعب الصحراء وزر رفع القضية ضد حكومة بلادها، لكن النيران التي وجهت إلى وزارة الفلاحة والتجارة وإدارة الضرائب وجمع الإيرادات البريطانية، عبر المحكمة الأوروبية، كانت نيرانا في العمق موجهة ضد المغرب، في قضية اتفاقية الصيد البحري، عبر الالتفاف طبعا على مسارات العدالة الأوروبية.
هذه المنظمة لا تغطي وجهها، انطلاقا من اسمها إلى قناعاتها مرورا بكل أنشطتها.
وبالرغم من حداثة نشأتها فقد استطاعت الوصول إلى إحدى أعرق المؤسسات القضائية في العالم، أي المحكمة الأوروبية، بدون أدنى تعثر !!!
وكانت الساحة البريطانية تعرف نشاطا آخر، محموما بدرجات فائقة، هو الذي تقوم به جمعية «عدالة
». وهي تعرف نفسها باعتبارها«منظمة تعنى بحقوق الإنسان والإصلاح القانوني، ومقرها في المملكة المتحدة، وهي الفرع البريطاني للجنة الحقوقيين الدولية، تتكون من محامين مكرسين لحماية حقوق الإنسان قانونياً في جميع أنحاء العالم. وبناء على ذلك، فإن أعضاء منظمة عدالة هم في الغالب مجتمع من المحامين والقضاة والأكاديميين القانونيين، وطلاب القانون»، ولعل أكثر ما يثير في تعريفها لنفسها.. هو التنصيص على أن « مجلسها الحاكم يتضمن ممثلين عن الأحزاب السياسية الرئيسية الثلاثة…»!
ويستفاد من تاريخها أن نموذجها في العمل هم نشطاء جنوب إفريقيا، وهذا لوحده كفيل بأن يعطينا فكرة عن تشددها ضدنا، حيث أنها تأسست عام 1957، في أعقاب الزيارة التي قام بها مجموعة من المحامين البريطانيين لمراقبة محاكمات الخيانة من أعضاء حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا العنصرية والمحاكمات في المجر الشيوعية. رئيسها الأول هو هارتلي شوكروس، رئيس الادعاء العام البريطاني في نورمبرغ، ومن مؤسسيها أيضاً بيتر بينيسن، اللذين شاركا لاحقاً في تأسيس منظمة العفو الدولية، عندما بدأت منظمة العفو الدولية عملها لأول مرة عام 1961، شاركت مكاتبها مع منظمة عدالة، عام 1958 أصبحت عدالة الفرع البريطاني في لجنة الحقوقيين الدولية (محكمة العدل الدولية…).
هذا التاريخ الذي يعود إلى أزيد من نصف قرن، يستلزم منا مقاربة أكثر عمقا، وتوجسا أكبر من قدرتها على التأثير في السياسة وفي النشاط المدني، بل يجعلنا نتوجس من حملتها التي أطلقتها منذ الخميس 15 فبراير 2018، «من خلال توجيه عدة رسائل إلى أعضاء مجلس الأمن بعنوان «يجب على بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء أن ترصد انتهاكات حقوق الإنسان»، داعية مجلس الأمن الأممي إلى توسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان «
. وهنا يبدو أن الهارمونيا التي تتحرك بها جماعات الضغط البريطانية ليست عفوية ولا من سوء الصدف، بقدر ما تسير الأمور نحو تجميع القوى المناهضة للمغرب باستعمال كل السبل والوسائل…
– الحزب العمالي البريطاني، باعتباره ثاني‮ ‬أهم حزب في‮ ‬بريطانيا،‮ كان زعيمه المنتخب، هو جيريمي‮ ‬كوربين،‮ ‬الذي‮ ‬ينتمي‮ ‬إلى التيار اليساري‮ ‬الراديكالي‮ ‬للحزب،‮ ‬والذي‮ ترأس لجنة التضامن مع البوليساريو في‮ ‬البرلمان البريطاني،
وهو نفسه الذي سبق أن قام بالتحريض على العنف والتظاهر خلال زيارته للأقاليم الجنوبية للمملكة‮-…‬
ومن الأشياء الذي تستدعى التحرك، إضافة إلى توضيح الأمور مع دولة بريطانيا، الخبر الذي نشرته وكالة الأنباء الجزائرية أمس،
من الأشياء التي لا يمكن أن تغفلها القريحة، بعد الضربة الملتبسة للمحكمة الأوروبية، هو امتداداته الديبلوماسية.. في بريطانيا نفسها.
لقد أوردت وكالة الأنباء الجزائرية أن الخارجية البريطانية أكدت موقف المملكة المتحدة الثابت بخصوص الصحراء و”المتمثل في دعم جهود الأمم المتحدة والأمين العام والمبعوث الشخصي من أجل إيجاد حل سياسي عادل ودائم يضمن للشعب الصحراوي حقه في تقرير المصير”،
وجددت الخارجية البريطانية وحسب نفس المصدر، موقفها هذا خلال استقبالها لعضو “الأمانة الوطنية والمنسق الصحراوي مع المينورسو، امحمد خداد، وقتها، مرفوقا بممثل البوليساريو بالمملكة المتحدة حمدي ابيهة”!!!!
من جهة أخرى، التقى ممثلو الانفصال “برئيس المجموعة البرلمانية البريطانية للصداقة مع الشعب الصحراوي بحضور برلمانيين آخرين من أعضاء المجموعة”.
لم نكن إذن أمام عملية معزولة، تحت يافطة الحقوق والنشاط المدني الحر، بقدر ما كنا أمام منصة متحركة، تبدأ من المساندة الفجة والسافرة إلى توضيب التاريخ الحقوقي، مرورا باختراق الحقل الحزبي وانتهاء بالتعامل الديبلوماسي الرسمي…
الأشياء تتغير كما نرى..
وتتغير في موقع الإنجليز في الخريطة الأوروبية وفي العلاقات بين أوروبية، في الموقع العالمي.
وبالنسبة لنا نفس الشيء..
لندن، بعد الاتفاق المغربي الإنجليزي ليست هي المنصة إياها!
ولندن ليست هي نفسها، مع تواتر الأخبار عن كونها الدولة الثانية، ربما في مجلس الأمن التي قد تفتح قنصليتها…
ولندن هي أيضا، كل الأخبار التي لم تعد تصلنا كما العادة…
منذ أقل من أسبوع كانت حكومتا المملكة المغربية والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية قد رحبتا بالتطبيق المؤقت، اعتبارا من فاتح يناير 2021، لاتفاق الشراكة بين المغرب والمملكة المتحدة الموقع بلندن في 26 أكتوبر 2019.
وأكد البلدان، بهذه المناسبة، انخراطهما في مواصلة تعزيز علاقاتهما وتطوير التعاون بينهما بهدف إقامة شراكة استراتيجية شاملة.
ويمكن أن نخمن هذه الشراكة، والخريطة المغربية أمام أعيننا والمشاريع الطاقية التي ستعرفها الأقاليم الجنوبية حاضرة لدى الإنجليز، في تحديد المواقف، بدون الربط الميكانيكي بين الموقف في أمريكا والموقف في بريطانيا، والروح الأطلسية التي تطبع دوما، بين الضفتين.
هناك تحولات في العمق، فيها ما هو متعلق بالبريكسيت، وأيضا بالتواجد في منطقة صار فيها المغرب لاعبا إقليميا،كبيرا وأساسيا..
والإنجليز يجيدون، تاريخيا، قراءة التحولات الكبرى في العالم، في كل مطلع قرن..أليسوا هم أصحاب “اللعبة الكبرى” في نهاية القرنين المضايين؟