بزلزال أو بدونه، في ليبراسيون وشارلي إيبدو ومن والاهما.. متلازمة فرنسية اسمها الملك محمد السادس…وأخرى مشتقة منها اسمها الحموشي!!

لن يجد محبو علم النفس وأطباؤه صعوبة في فهم العقل الباطني للرسامة الكاريكاتورية الفرنسية «كوكو» وتفكيك اهتزاز نفسيتها على سلم رايشتر! كما أنهم، وأراهنكم على ذلك بخروف، سيجدون أن عقدة الشعور بالعار هي العاطفة الأخلاقية المهيمنة عليها وشعورها بالذنب هو الكامن وراء ما اقترفته الكاريكاتورية كوكو ( كورين راي Corinne Rey) على صفحات ليبراسيون الفرنسية في حق المغرب ورموز سيادته..
وكذا نوع من التعويض البسيكولوجي المنحط عن هذا الشعور بواسطة طريقة كاريكاتور جلالة الملك محمد السادس، فوق عرش اهتزت الأرض تحته…
للمصادفات غير السعيدة لها، أن زلزال 8 شتنبر 2023، ذكرها بوقفتها المخجلة والجبانة يوم 8 شتنبر 2020 أمام محكمة باريس الابتدائية، التي روت فيها مشاهداتها لحادثة الهجوم الإرهابي على شارلي ايبدو الشهير، يومها حكت عن جبنها المرعب أمام الأخوان كواشي ، وهما يصرخان فيها»نريد شارلي ايبدو .. نريد شارب»، وهو الرسام الكاريكاتوري الذي تجنى على نبي الإسلام وتجنى عليه الإرهابيون. وهي التي قالت بعظمة لسانها إن تلك اللحظة ستطاردها إلى آخر رمق…. من عمرها.
لقد فتحت الباب للقتلة خوفا وجبنا، حيث كانت قد غادرت هيئة التحرير لتتوجه إلي دار حضانة ابنتها، ثم عادت إلى مقر العمل، فوجدت نفسها أمام شخصين مقنّعيْن عرفاها بالاسم وقد طلب منها أن تفتح الباب لهما. صعدت الأدراج، لكنها اعتذرت للقتلة عندما أخطأت في الطابق الذي توجد فيه المجلة، وعوض الثاني أرادت فتح الطابق الأول! اعتذرت وهي تكاد تجثو على ركبتها، وصححت الخطأ بالخطيئة، حيث وضعت (الكود) الشيفرة التي تفتح بابا ليدخل المسلحان ويطلقان الرصاص على الرسام وعلى الآخرين، أما هي فقد تركها القتلة تختبئ تحت مكتب من مكاتب المجلة، ومن تم انتظار قتل الجميع.. وبعد المهمة ساد صمت القبور وهي تنتظر تحت مكتب العمل بلا حركة وفي طمأنينة الناجين من الجحيم!
لا أحد يريد منها أن تكون بطلة أمام إرهابيين، ولا أحد يريد منها أن تزيِّف ضعفها، ولكن الجميع ينتظر منها أن تكون نزيهة باحترام حزن المغرب والمغاربة وصعقتهم أمام الفاجعة التي ضربت أمة بكاملها في زلزال الحوز، فهي لم تحترمه ولم تحترم فاجعته ولا هول الصدمة، وسارت تسخر من رمز الصمود والقوة في تلك اللحظات من الهشاشة الجماعية لدى المغاربة، الملك محمد السادس ورئيس الدولة الذي يمثل الرمز وحامل إرادة القوة في تلك اللحظة، كما هو الأمر مع كل دول العالم ومع شعوبها.
ويبدو أن هذه الرسامة وجدت في لحظة التكالب على المغرب غطاء سياسيا وإعلاميا لتحرر نفسها قليلا من ضغط العار الذي ذكرها به توارد هذه التواريخ: أليس التاريخ محركا داخليا لنزوات العقد الباطنية عند المرتعدين؟ وبناء على ذلك، لم تجد سوى التشهير بملك كان يواجه رعب الطبيعة في وقت لا يمكن لأحد أن يدعي أنه شجاع أمام الزلزال إلا من يستطيع أن يواجه ثورته برباطة الجأش وقوة العزيمة والعقل والصبر والتعاطف العميق في تركيبة واحدة.
والتشهير بالملك المغربي، بضربة فرشاة واحدة على صفحات ليبراسيون وشارلي ايبدو وغيرهما، لا أحد يصدق بأن وراءه الرغبة في حماية المصابين والضحايا ولا وراءه التعاطف الإنساني المزعوم، أبدا… فقد انطلقت الضغينة قبل الزلزال بكثير وستستمر بلا زلزال طويلا أيضا ..لأن الموضوع فيها بالضبط هو قدرة الملك محمد السادس على السمو ببلاده إلى ما يتجاوز السقف الذي تريد له نخبة فرنسا الفاشلة قاريا!
والفرنسيون صاروا يعرفون أن العكس هو الذي يريده ماكرون ونخبته، أي دولة ضعيفة سهلة الانقياد، وهم عندما يتحدثون في ما بينهم أو يشرحون لبعضهم البعض السياسة الخارجية لبلادهم تجاه المغرب، يقاربون الموضوع من زاوية أخرى هي عجز الاليزيه عن إدارة ديبلوماسية جيدة وتقرأ جيدا تحولات ما وقع ويقع في المنطقة وفي المغرب داخليا وخارجيا (وهنا، تشاء الصدفة الجميلة أن ما قاله وزير الخارجية المغربي حول تحولات العالم والمغرب في قلبها هي نفسها قناعة باحث فرنسي كبير جيل كيبل، اقرأ الحوار في موضع آخر من الجريدة)…
وكما لا نصدق بأن الحملة على الدولة ورمزها سببها الخوف علينا من الزلزال ومن طريقة التدبير (انظر ما كتبناه عن ماكرون والصحافة الفرنسية قبل الزلزال بشهور)، فإننا لا نصدق كذلك بأن السبب في الهجوم على الأمن وعلى رئيسه عبد اللطيف الحموشي بالاسم والصفة هو الخوف من عودة السلطوية أو الدفاع عن حرية الصحافة… أو تحرير الرغبات الجسدية لأمة المحرومين من الحداثة!!!!
ومن الغريب فعلا أن نرى بالفعل هذا الخوف الفرنسي على حرية الصحافة في المغرب، في وقت ما زالت اتهامات جزء كبير من النخبة ومنها بيير روزانفالون ونخبة من اليسار النزيه تشدد علي طريقته «الاستبدادية» (كذا) في تدبير الدولة والعلاقات بين المؤسسات، وعجزه عن إعطاء الدولة مشروعا ناجعا يقود المجتمع وما إلى ذلك من نقط الضعف الحقوقية! ولا نجد لذلك أثرا في صفحات الكاريكاتور والتشنيع!
ومن نكد الدنيا علينا الآن أن يسعى أبله الأسرة إلى صناعة اسم له في الصحافة L›idiot de la famille peine à faire carrière! عبر محاولات بئيسة في اتهام الصحافة الوطنية بأنها تابعة تارة، أو أنها تحب الحموشي أكثر من الملك (كذا) أو أنها انقرضت بالكامل!..
إن قمة التناقض أو خزي السقراطي L›opprobre socratique في قضية الدفاع المفترض عن حرية مغاربة اليوم هو أن يتم ذلك بتنشيط الروح الاستعمارية الاستعلائية التي تم استعمالها ضد آبائهم وأجدادهم إبان اغتصاب حريتهم.
والمغاربة محترمون ومعقولون، والصحافة المغربية محترمة، وهي تعرف مكانة الملك في نفوس المغاربة وفي دينامية تاريخهم وفي دائرتهم الروحية، في المقدس وفي الدنيوي لديهم، ويعرفون أيضا أن أحد العارفين بذلك والمطلع عليه هو ابن الشعب عبد اللطيف الحموشي، كما هو الحال عند كبار رجالات الدولة في الجيش والأمن الخارجي والدبلوماسية والحقل الديني، وفي الحقل السياسي الذي يتربى مناضلوه على احترام الثوابت وتوقير رموزها وجعل الوطنية هي نظارات الفهم والتحليل واتخاذ الموقف!
ولا يخلطون بين فرشات الرسم كما يقول الفرنسيون أنفسهم . والمغاربة يستغربون كيف يستطيع صحافي يدعي التحقيق أن يكتب أن “الصحافة المغربية عند جزمة رجل الأمن الأول، وتفضله على … الملك! كما نشرت ليكسبريس ..
يجب أن يكون هذا الصحافي أعمى وأبكم وأصم ومرفوعا عنه القلم.
أو لنقل إنه كان عليه ربما أن يقرأ ما كتبه هو نفسه في بورتريه المدير المغربي للأمن: أي عندما كتب أن المسؤول عن الأمن في المغرب، هو ابن الشعب تدرج في المهنة وسلاليمها بقوة مثابرته ومهنيته و.. ونحن نضيف إلى ذلك ولاءه للمغرب وملك المغرب، وقبلهما رب المغرب والمشرق، على حد سواء، كما جمعهم شعار…. الدولة والشعب الذي يسمو على الجميع.
لماذا إذن هذه الفقرات المسمومة والبلهاء في نفس الوقت؟
هي أسلوبية مخابراتية فرنسية واستعمارية عتيقة تريد أن تدق الإسفين بين العاهل وبين أحد المخلصين للعرش، من جهة، وهي كذلك طريقة ملتوية بمناسبة الزلزال لاتهام سبق أن ورد في صك الاتهام وقت بيغاسوس: ألم يقل بأن الأجهزة الأمنية تجسست على الملك نفسه قبل أن تركز وجهتها على العالم كله وفي قلبه الرئيس الفرنسي ماكرون؟
ما المشكلة؟
أولا: شيء ما نَتن في الجمهورية الخامسة!
ثانيا : يبدو لي والله أعلم بعلمه، أن فرنسا الجمهورية لا تغفر لمغرب محمد السادس كل هذه الإرادة في الاستقلالية، ولا تغفر للأمن أنه كان أحد أذرع هذه الاستقلالية، بل تحول الأمن إلى ديبلوماسية، وحقق الأمن المغربي فكرة نابوليون ولم يحققها الأمن الفرنسي، وهي التي يقول فيها إن “الديبلوماسية هي الشرطة بلباس خاص “!…
ثالثا : إن العقل الاستخباراتي الفرنسي منذ الكسندر دومارانش (السديس) والسيد إفريقيا فوكار ، ظل يعتبر بأن الاليزيه أولى بالأخبار والتحليلات التي تصل إليها الأجهزة المغربية..قبل بلادها! ولعله أصيب بالذهول عندما تمت عملية اجتثاث أي تبعية في هذا الباب وأغلقت السبل أمام امتداد الجهاز الفرنسي في الأجهزة المغربية، أيام كان السديس يقرر السياسة الأمنية لبعض أتباعه في الرباط .. ولعل الصدمة أيضا ازدادت بقطع الصلة المؤسساتية من حيث النموذج والحضور القوي إلى جانب الأجهزة الكبيرة دوليا، الافبيايFBI والسيياCIA والنسياييNSA، وتوطيد العمل معها ، مما أفقد النموذج الفرنسي أي بريق في الذهنية الأمنية المغربية.. وزادت الصدمة لما انتشر أن المخابرات الأمريكية اقترحت الجنسية الأمريكية على الحموشي ورفضها إيمانا ببلاده ووفاء لعاهلها… ولعل الصدمة كانت أكبر عندما وجدت فرنسا أنها لا يمكن أن تبتز المغرب من خلال رجال الأمن ورئيسهم، وأنها لا يمكن أن تتوفر مستقبلا على فعاليتها الأمنية بدونهما.
ومن هنا المفارقة العجيبة في مقالة ليكسبريس نفسها مثلا،
وهي تتحدث عن” عهد جديد للعلاقات المغربية الفرنسية ، والتي قادت إلى التفكير حاليا في باريس في قيام شراكة جديدة مبنية أساسا علي الرهانات الأمنية في الساحل باعتبار أن البلدين لهما مصالح في العمل على هذا الموضوع”( انظر (ض 21) من العدد الأخير موضوع المقالة هذه).. .
لن يقنعنا الزملاء ( تجاوزا) بأن ما يحركهم الآن كما أن الذي حركهم في الحملات السابقة، مرده إلى غيرتهم على حرياتنا، حتى ولو سبنا من أقرضوه فمهم وقلمهم . ونحن نقول بأن بعض الزملاء سقطوا في تلك العبودية الطوعية التي تحدث عنها لا بواسيي، وعوضوا ذلك بالشعور أنهم هم الأوصياء على حريتنا!
إنهم يعتقدون أن من حقهم أن ينشدوا “لامارسييز” ونحن لا، وهم من حقهم أن يجتمعوا مع خبراء الديبلوماسية في الكي دورسيه والأمن والأجهزة ونحن لا…
وهم وحدهم الذين يملكون الحق في الدفاع عن بلادهم، جنبا إلى جنب مع دولتهم، ونحن يجب أن نكون أحرارا بلا دولة!
عنوان آخر للخزي السقراطي L’opprobre socratique…