بعد تقاعد البرلمانيين، تقاعد الوزراء أيضا!

عبد الحميد جماهري

في دجنبر 2015، نعم، منذ خمس سنين، تساءل العبد الفقير لرحمة ربه كاتبا: «لست أدري من هو الحكيم الذي أفتى على البرلمانيين أن يطرحوا معضلة تقاعدهم، هم والوزراء في هذه الفترة بالذات، لكني أعتقد بأن الذين سينظرون في ملف شائك مثل تقاعد المغاربة العاملين ، ويقرر فيه بناء على معطيات شائكة، كان عليه أن يترك الأمر الذي يهمه إلى وضع أفضل..!»..
كأنما نفس السؤال يمكر بنا من جديد، مع فارق كبير، هو أن المعضلة زادت، والوضع ساء كثيرا..
صارت وبائية، جائحية، وتمس الوجود الأعمق للنبل السياسي.. وكما كتبنا منذ خمس سنين: ليس المطلوب هو الدراما، ولا المطلوب هو الملهاة، لكن المطلوب هو النقاش الذي لا يجبر القضية المركزية على أن تضيع بين تقديرات غير موفقة.
في ذلك اليوم، من دجنبر 2015، كانت هناك قضية سياسية اجتماعية، تدرجها الحكومة- اااااااح من الحكومة- في باب الإصلاح ولو كانت توترا، وتدرجها النقابات في باب التوتر ولو كانت إصلاحا.
بين تقاعد العمال والموظفين، وبين تقاعد الوزراء والبرلمانيين..
وفي عمق الأسئلة، هناك قضايا تعتبر محكا حقيقيا لسرعة البديهة وقوة
الحجة..
وفي عمق ذلك، هو التوازن بين الاقتطاعات وبين القيمة المحصل عليها؟
وهو جوهر خلاف بين الحكومة وبين شركائها النقابيين. وإذا طرحنا الأمر من هذه الزاوية على القضية المعروضة للتقدير السياسي والحكومي، والخاصة بتقاعد الوزراء والبرلمانيين، فهل هناك توازن فعلي بين قدر المساهمة وقدر الاستفادة؟
أي: ما هي درجة التناسب بين المبالغ التي تدفع لهم، أي الغلاف المالي لمستحقاتهم الشهرية ، وكم سيدفع للبرلمانيين في التقاعد؟..
الحكاية الثانية هي :هل التقاعد البرلماني والوزاري، هو التقاعد الوحيد الذي سيعرفه المعنيون بعد نهاية مهامهم السياسية والنيابية؟
وهل سيكون التقاعد الوحيد في حياتهم؟
هل يمكن أن نتخيل أن نظام التقاعد يكلف أكثر من الأجور التي يتلقونها؟
فالبرلماني الذي يتلقى التقاعد ، هو رجل لا يدفع بعد خمس سنوات…، في حين أن الدولة تواصل دفع تقاعده.. مدى الحياة، وربما مدى الموت إذا تم اعتماد الإرث..!
وهي تدفع له، إضافة إلى ذلك، تعويضات زملائه، وتقاعدهم القادم..
إنها تستخلص من مبالغه المحدودة في الزمن والمبلغ، تقاعدات قادمة لأناس لا يعرفهم هو في الساعة التي نتحدث عنها!!
فالنشطاء البرلمانيون اليوم، هم مايقارب 400أو زد أو انقص منهم قليلا ولكن كم من متقاعد: سيكون لدينا أو لدينا الآن..؟
فما يدفعه النشيط حاليا أقل بكثير مما يتلقاه المتقاعد، حاليا ومن بعد!
كم سيدفع البرلماني كمساهمة…
وكم سيتلقى كتعويض..؟
إذن لنتصور أن هذا النظام يطبق على عموم المساهمين..؟.
وأن ما يدفعه المعلم والممرض والصحافي والعسكري والمساح والمنظف والممرضة والأستاذة والطبيبة في القطاع العام، سيكون بنفس التوازن، كم سيكلف ذلك الدولة؟
وهل يستقيم الحديث في هكذا موضوع، إذا كانت الدولة تتعلل بالكلفة والمبالغ الكثيرة لكي تعيد النظر في المنظومة الحالية برمتها..؟
وهل سيقنع الوزير والبرلماني أمة تتأرجح بين نقطتين في سلم التقاعد إذا هو أخل بذلك؟
مجرد سؤال لا يلزم أحدا بالجواب..!
سؤال آخر:
هل يحق لمن يملك فرصا أخرى للتقاعد أن يتقاعد ، متخما من البرلمان؟.
ألا يمكن أن نتصور سيناريو آخر مثلا للوزراء والنواب المحترمين كما في دول أخرى محترمة؟
أي لماذا لا نطرح السؤال المنطقي: لماذا لا يعود الأستاذ إلى الجامعة مثلا بعد نهاية الوزارة ونهاية البرلمان؟
لماذا لا يعود إلى عمله..؟.
تربح الدولة والطلبة والجامعة والثانوية من خبرتهم ومن احتكاكهم ، وتربح الدولة من أخلاقيات العمل الجاد ومن مهام الحياة العملية. ألن يقنعنا برلماني أو وزير عاد إلى الجامعة بعد الوزارة أو بعد النيابة أكثر مما تقنعنا الوصلات الإشهارية في التلفزيون كلما احتجنا إلى تصويت المغاربة؟
مجرد سؤال ثان لا يلزم بالجواب أحدا..!

نتصور التقاعد كما لو أنه سيكون مثل تقاعد الكثيرين في الوظيفة العمومية أي “كي دخول الوظيف كي الخروج منو”.
فهل نتصور أنهم يدخلون كلهم، كما خرجوا ..؟
أبدا: فمنهم من يخرج بمنازل كراء، ومنهم من يشيد لنفسه معملا،
ومنهم من يزيد في مدرسته الخصوصية وآخرون يبنون مطاحن وضيعات،ونوع رابع يجمع كل ذلك…
ويلعن الحياة التي تقسو عليه مثل الآخرين !
فما الذي يمنع الطبيب من أن يعود طبيبا ، خاصا أو عاما..؟
وما الذي يمنع الأستاذ أن يعود أستاذا؟
وحده العاطل قبل البرلمان ممنوع عليه أن يعود إلى بطالته..!
– – –
كما تساءلنا من قبل :
هل يمكن أن يقدم لنا السيد جطو اليوم جدولا ماليا عن مصاريف التقاعد البرلماني والوزاري؟

حكاية التقاعد الخاص بالوزراء يعرفها الكثيرون، وتتعلق بوزير سأل عنه المرحوم الحسن الثاني فوجد أن حياته صارت صعبة بعد خروجه من دائرة الضوء، فجاءته الفكرة بأن يحافظ للناس على جزء من مقامهم بعد الخروج من دائرة السلطة. كان القرار إنسانيا رفيعا، لكنه كان قرارا للملكية التنفيذية كما مارسها الملك الراحل في أقصى درجاتها المطلقة! وما اشتق عنها لا يختلف عنها.هي إذن مشتقات الملكية التنفيذية والمطلقة: هل يمكن لبرلماني ووزير جاء تحت مظلة كبيرة اسمها الدفاع عن ملكية برلمانية أن يستظل بمظلة التنفيذية؟
أسأل ولا أحد ملزم بالجواب، بمن فيهم العاطلون عن العمل..».
أما النضال السياسي من أجل الجنة!! فنحن أيضا قلناها من قبل..
قلنا نحن لا نناضل من أجل الدخول إلى الجنة ، ولا إلى النعيم فوق الأرض،
بل من أجل رفع القمع عن شعبنا، من أجل العيش الكريم، من أجل المدرسة..
لكننا أيضا لم نناضل من أجل أن ندخل جهنم، بمال يزيد عن الحاجات، ويقتطع من عرق العاملين أو البروليتاريا..أو نحتمي من جحيم الوضع العام..لشعب بكامله تحت الوباء..
أعيد القول: السياق يخلق المعنى، ولا بأس من أن نطرح بديلا متكاملا في ما يتعلق بالاغتناء بالسياسة..فذلك هو الحل للأزمة التي نعيشها في بلادنا…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 17/10/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *