بلاد حمقاء جدا أو متيقنة من براءتها… للغاية؟

عبد الحميد جماهري

قال رفيقي المتشائل: ما لبلادنا قد ذهبت تقاضي الإعلام الفرنسي والإعلام الألماني أمام القضاء الألماني والقضاء الفرنسي، ونحن ندري ما يقوله الفرنسيون والألمان عن زواج غير شرعي بين الصحافة والقضاء، في تكامل أدوارهما ضد السياسي؟
فهل أصيبت دولة المغرب بالحمق؟
قلت لصديقي المتشائل: يا صديقي إنك وضعت طرفا واحدا للمعادلة.
قال: وما هو الطرف الثاني؟
قلت: أن تقول إما أن البلاد حمقاء وإما أنها متيقنة من براءتها إلى درجة أنها تحتكم إلى قضاء بلدين يعرفان موجات متناسقة من العداء ضدها…
والمغرب قد يقدر، من زاوية الاستشهاد بالكاتب الفرنسي القديم جوزيف جوبير، أن «العدالة هي الحرية تعمل ميدانيا»…، ليس هناك أية دولة يمكنها أن تحتكم مثلما فعل…
عندما توجه إلى المحكمة الألمانية، ونظيرتها الفرنسية، كان ينزع الطابع السجالي عن القضية، لفائدة صرامة القضاء. وكان يدرك أن الرأي العام في هذين البلدين، يعرف ما معنى اللجوء إلى القضاء، الذي وحده يمكن أن يفكك الشبكات السياسية ويكشف عن الجانب المظلم في قضية اتهامه بالتجسس والبيغاسوس!
قلت لرفيقي المتشائل: المغرب يعرض نفسه أمام القضاء في معادلة قوية: أنا الضحية هنا،هل يثبت قضاؤكم نزاهته معي؟
وأنا المتهم هنا، هل يجرؤ القضاء على إثبات ضعف حجتي؟
إنه يمتحن الاستقلالية في القضاء، ويعرض نفسه عليه في نفس الوقت!
أضفت: يا رفيقي، لقد وضع المغرب نفسه أمام قضاءين أوروبيين، في قضية تهم سمعته الدولية.
لجأ إلى القضاء الفرنسي، ليحتكم إليه في قضية اتهامات لوموند وميديا بارت وفرانس انفو.
ثلاثة منابر بتاريخ مختلف وطبيعة مختلفة وعلاقة مختلفة:
الأول، لوموند هي الصحيفة المرجعية في فرنسا، والثاني ميديا بارت امتداد لها، بنفس تروتسكي واضح، وله صاحبه، ذاك الذي رفع دعوى ضد المغرب، في الإعلام ورفع نفس الدعوى ضد مجهول .. في القضاء.
والمنبر الثالث عمومي، يعد جزءا من القطاع الإعلامي العمومي في فرنسا….
وفي ألمانيا، التي تربطه بها علاقة توتر واضحة قاربت السنة، تقدم بطلب إصدار أمر قضائي ضد شركة النشر (زود دويتشه تسايتونغ).
الموضوع هو نفسه: المغرب يرفض اتهامه بشأن “ادعاءات كاذبة في إطار تقرير صحافي حول الاستخدام المزعوم لبرنامج التجسس (بيغاسوس) من قبل المملكة المغربية”.
الأمر يتعلق بقضاء أوروبي، في دولتين تعتبران فصل السلط واستقلالية القضاء شرطا إجباريا في بناء الدولة الديموقراطية.
المغرب عندما توجه إلى السلطة القضائية في دولتين، تعرفان حملات منظمة ضده، وتعرفان مناخا عدائيا، بالنسبة لبعض من النخبة الحاكمة فيهما، يكون قد حسم في ثلاث دلالات، ليس لديه ما يخيفه في الوقوف أمام قضاء بلدين أوروبيين، المغرب متأكد من براءته، والمغرب ذهب إلى عقر الدار لكي يثبت هذه البراءة، بأحكام تتأسس على تقاليد ومضامين ورمزيات هذه الدول.
لقد ذهب وهو يسترشد بما قاله مستشار عريق وكبير في تاريخ ألمانيا هو ويلي براندت القائل: لا تنسوا، إن الذي يقترف مظلمة، يفتح الطريق أمام مظالم أخرى»…
وذهب وهو يؤمن بقوة حكيم فرنسي، أنه «حيث تبدأ العدالة، يطير السر، وينتفي اللغز.». وعندما يكون ردك على اتهامات مفبركة، هو العدل المقدس، في بلاد ليست صديقة لك في فترة من الفترات، فهذا معناه أنك تؤمن بأن القضاء، وحسن النية والاستقامة، هي قواعدك في العمل السياسي!
قال رفيقي المتشائل بدون حماس كبير: ألم يكن من الأجدر معالجة الأمر سياسيا كما تفترض قواعد اللعب الديبلوماسي؟
قلت لرفيقي: أبدا، وقتها كان الطرف الآخر سيصرخ فوق كل السطوح، ها هم يتصرفون بدون احترام الفصل بين السلط، وها هم يبحثون عن وسائل ضغط أخرى غير القضاء.. لله لله في عدالتنا!
ويسخرون من تحت القناع، الذي يضعونه كلما تحدثنا دفاعا عنا..
… قلت، يا رفيقي، في مثل هذه القضايا يكون للذكاء …بقية!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 06/08/2021