بين بيليه‫..‬ وبين المفسدين للأفراح الجماعية‫!‬

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

ولم ينس بيليه المغرب الذي بات أول منتخب إفريقي يتأهل إلى نصف النهائي، حيث دوّن ” لا يمكنني أن أنسى تهنئة المغرب للمشوار الرائع الذي قطعه ومن الرائع رؤية إفريقيا تلمع…”.
بيليه الذي كتب تدوينة يهنئ فيها ميسي والأرجنتين باللقب، نوه بالأداء المغربي، وبحفدة العربي بن مبارك، الذي كتب عنه ذات سياق في بداية القرن« إذا كنت أنا ملك الكرة القدم، فإن العربي بن مبارك هو ربها»..
بيليه هو واحد من آخر عمالقة المستديرة الرهيبة، وكان ضمن عشرات الآلاف من الملايين من البشر الذي فرحوا للمغرب والمغاربة… وظل وفيا لفرحة المغرب ولذكاء لاعبيه ومدربه وطاقمه التقني والطبي، كما كان في الخمسينيات من القرن الماضي، واظب على عاطفته مع المغاربة في عشرينيات القرن الواحد والعشرين.
الفارق الذي يشوش على المشهد اليوم أن الصورة مع بن مبارك ليس فيها مفسدون للفرحة العارمة للمغاربة ملكا وشعبا.. كما تابعنا في مونديال قطر، أولئك الذين يقيمون على هامش معركة الشرف والبطولة سرادق للبيع والشراء والتنكيل بسعادتنا الجماعية.
هؤلاء، قلة بطبيعة الحال شرذمة حتى، وقد يكون البعض منا يميل إلى استصغار ما فعلوه في ليلة نصف النهائي، أو قبله ربما، إلى أن فضحتهم الفرحة العارمة، أولئك الذين نصبوا خياما للسمسرة وأشركوا في ذلك بعض الإعلاميين .. (وتلك قصة أخرى). كثيرون تعودوا منهم أن يفعلوا ذلك في مواعيد أخرى وطنية منذورة للفرح الديموقراطي، ونكلوا بكل متمنيات المغرب الكبرى، ويعيدون ذلك بلا خجل، والفرق الوحيد هو أنهم صاروا يتباهون بذلك..
الحقيقة هي أنه إذا كان ولا بد من درس أولي للمسار التاريخي للأُسود كما سماه ملك البلاد، فهو تحول نظرة المغاربة إلى أنفسهم نحو الإيجابي أكثر والصرامة أكثر والوطنية أكثر والصفاء والنزاهة أكثر ونحو القيم الأخلاقية الواسعة، ولن يقبلوا التطبيع مع الفساد في الرياضة وفي ماركوتينغ الرياضة منذ الآن.
وإذا شئنا تشبيه المباريات التي خاضها جنودنا الرياضيون في المونديال بالمعارك في ساحات الحرب، فإن النصر والانتشاء لا يمنع محاكمة من ضرب معنويات الجماهير والجنود وشوش على نصرهم وحاول أن يثرى من الحرب التي قامت!
أعرف بالسليقة أن أول ما يفسده الفاسدون هو الفرح، وقد يبدو أنني سقطت في فخهم إذا ما انتبهت إلى إفسادهم أكثر من الفرحة ذاتها، لكن أعرف بالمقابل قدرتهم على التمدد مثل السرطان والتمطط مثل الأخطبوط، وقدرتهم على إجهاض مواعيد كثيرة..
فمن سولت له نفسه أن يقامر بالتذاكر لأن هناك إقبالا كبيرا، لا يمكن أن يذكرك بالزهد في السجال بقدر ما يذكر بأثرياء الحرب والباعة المحتالين والقتلة المأجورين.. ويذكرك بقدرة الفساد على إبطال كل جميل.
إن بعضهم في مركز القرار ويمكنه غدا أن ينسف “المورال” في أعقاب المونديال ويجتهد أكثر في جر البلاد نحو الأسفل حيث يقيم ، ويدفع بها نحو حضيض التردد وسيادة الفساد المالي، حيث يرتعون ويزدهرون على حساب وطن بكامله. وهم يملكون، كما دلت حملة الدفاع عنهم، أذرعا في مستويات عديدة قد تبرر كل مفاسدهم.. وما بدأ كنقطة قد ينتهي به الأمر إلى بحر كما تعلمنا.
لقد شاهدنا كيف يتكلمون في الدفاع عن أنفسهم  “الذي يقول بأنه دفع الملايين من جيبه، ولا ينتبه الى أنه استعمل التهرب من القانون المنظم ..لاستعمال نقود خارج التراب الوطني سواء كان ذلك نقدا أو كان عبر الشبابيك البنكية.”
الرجل يقول إنه صرف من جيبه 50 مليونا، قل لنا يا سيدي كيف وصلت إلى قطر بكل هذه المبالغ علما أن السقف المسموح به هو 10 آلاف درهم؟
هل أعطوك مقابل 5 مونديالات متتالية دفعة واحدة في «تسهيل ضريبي» يعرف المغاربة أسراره في الدهاليز؟
أما ذلك الذي عاد بنا إلى لغات “طوطوية” المعنى وهو يصرخ في الناس”شغلكم أنني أعطيت التذاكر لصاحباتي “، بالحمولتين النبيلة والشعبية في التعريف، هل يدرك أن عرق الشباب وقيمه النبيلة ومجهوده لا يسمح بسقوطه الأخلاقي…
وهل يمكنه أن يكشف كم صرف على كل هؤلاء في الانتخابات التي مرت، وكم من المال وزعه، بما يفوق عشر مرات وأكثر مما صرفه على المونديال: مونديال وانتخابات في نفس الوقت.. ثنائية لم يقدر عليها ميسي طبعا في بلاد العجائب!
لقد نسي المغاربة الأزمات التي يعيشونها يوميا واستسلموا للفرح بانسيابية جميلة، وعرفوا أن بلادهم تستطيع الكثير بما فيه حل الأزمات، وقادرة على خلق أفق جديد.
أولئك ذكرونا بأن الفساد أعتى من كل الأفراح، ولا يمكن السماح لهم بأن يشوشوا على مستقبل الكرة. فهؤلاء الذين لم يحترموا فرح شعب عانقته كل الشعوب، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعودوا إلى مركز القرار، لكي يعيدوا عقارب الساعة إلى سابق عهدها في التردد والفشل وطرد الكفاءات الوطنية، ومن يدري فقد ينجحون في تبخيس ماقام به وليد الركراكي، ويبخسون قيمه التي جاء بها لكي تعود حليمة إلى كرتها القديمة!
لقد نجحت قطر ـ ولا بد من تحيتها وأميرها على ذلك ـ في توفير شروط حضارية استثنائية لمونديال استثنائي، ومن المؤسف أن يكون أحد مقومات الاستثناء السلبي، استدعاء بعض المسؤولين المغاربة في أزمة التذاكر، ومن طرف القضاء في البلد المضيف الذي فتح ذراعيه وقلبه وترابه ومرافقه وكل ما يملك من أجل المغاربة في وقت يفسد بعضه من القلة هذا الاستثناء..
لقد نبض امرابط بقلبه بل ركض من أجلنا ومن أجل النشيد واعتصم زياش بأنفاس والدته من أجلنا ومن أجل النشيد؛
وتمسك حكيمي والآخرون بكل مواد الأرض من أجلنا ومن أجل النشيد ..
ويختار بعض السماسرة الأثرياء تحقير كل هذا من أجل دراهم معدودات وزبانية وتواطؤات ووهم سلطة مونديالية زعما زعما!
لقد نجح أسود الأطلس في إعطاء معنى واقعي وإيقاع عاطفي وجسدي ومعنوي ومادي للنشيد الوطني، بأقدامهم، بنبضات قلوبهم، وبرأسياتهم، وفهمنا مجددا معنى:
«للـعلـى عنوان»
وب من هتافات الشعوب في الجهات الأربع فهمنا: ذكر كل لسان..
ومن بكاء الملايين عبر العواصم والشوارع والساحات فمهنا فهما جديدا :ملء كل جنان
بالروح الجديدة بموجة العمق العملاقة التي هزت المغاربة والأفارقة فهمنا المعنى الجديد الإضافي:
للعُلى سعيا
وعندما يسعى المفسدون إلى تشويه لحظات هذا السمو، فهم لا يقفون عند ذلك بل يشعروننا بأنهم لا يؤمنون ولو تظاهروا ولا ينصتون للخاتمة ولو رددوها أمام الكاميرات: نُشهد الدنيا
أنا هنا نحيا
بشعار
لله
الوطن
الملك

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 20/12/2022