بين واجب التوافق وحب التملك…

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
هي مفارقات كورنيللية
في الحياة السياسية؟؟؟
وقليلون هم المسؤولون الحكوميون في المغرب، الذين قُدِّر لهم ان يعيشوا مفارقات dilemme كورنيللية، نسبة إلى رجل المسرح الفرنسي، بيير كورني corneille، تتوزع فيها الروح والقناعات بين واقع الرغبة وواقع الإرادة..
مابين ما يرغبون فيه وما يستطيعونه.
تنازع بين الحب،
حب الذات، حب الآخر، حب القبيلة أو حب الامتلاك
وبين الواجب،
واجب الانتقال، واجب الحفاظ على الوئام، واجب التوافق الخ..
تنازع بين العقل
عقل الدولة، العقل العلمي، العقل السياسي الخ
وبين المشاعر
مشاعر التميز، مشاعر الامتلاك أو مشاعر العصبية..
هذا التضاد أو المفارقة يعيشها متتبع المسرحي الفرنسي «كورناي»، الذي عرف عنه أنه كان يضع شخصياته المسرحية أمام مفارقات او تضادات يصعب فيها الاختيار..
والقليلون حقا، من الذين قاموا بالاختيار، كانوا قد وجدوا أنفسهم في منعطفات تاريخية وتوسموا في التزامهم القدرة على حسن الاختيار.. وهو عادة ما يكون اختيار البطولة الحقيقية، تلك التي تربط الاختيار ذاته بشرف الامتداد في التاريخ
وفي الزمن
والجرأة..
وهناك اختيارات أخرى، كالمفارقات الشكسبيرية، تختلف من حيث الرهان!
على كل الساسة الذين وجدوا أنفسهم موزعين بين الواجب والمصلحة كانوا قلة..
ودون الغوص في البدايات البعيدة للاستقلال وأناسه المتفردين جدا،
قد يذكر التاريخ رجلا مثل احمد عصمان امام قرار حلِّ الاتحاد الاشتراكي ، وعبر فيه عن رفضه..
أو قرار الفقيد عبد الحفيظ القادري، عن حزب الاستقلال الذي رفض سجن عبد الرحيم بوعبيد رحمه لله، وهو يدرك أن مقابل ذلك الموقف، ضياع حظوة يحبها أي رجل سياسة، لدى الملك الراحل رحمه لله..
وقد وجد الفقيد عبد الرحمان اليوسفي نفسه امام هذا التضاد، هذا الرهان عندما كان عليه ان يختار بين نمط انتخابي صوت عليه أبناء حزبه في مؤتمر وطني، وبين اختيار نمط آخر، لائحي كانت التسويات السياسية
إضافة إلى ضرورات محاربة الفساد
وعقلنه الحياة السياسية وضمان الاختيارات الديموقراطية العميقة الخ.. تفرض اعتماده من طرف الحكومة قبل المعارضة.
كان الرهان او المفارقة صعبة، لكن الرجل لم يختر ما تمليه عليه نفسه او حبه لأنصاره او غيره من الرغبات التي تسير بنا في السياسة،
بل فضل العقل،
والتوافق العام
وواجب التصرف كرجل فوق الترافع الحزبي الذي أوصله، مع ذلك إلى موقع قيادة التناوب.. في لحظة حرجة جدا..
ليس المهم الآن، نوع الموضوع الذي يثير الخلاف في المنظومة الانتخابية، بل الأمر يكون اكبر من ذلك، عندما يطرح من زاوية رئاسة الحكومة.
ونحن نميز تمييزا حقيقيا وليس سجاليا ولا تاكتيكيا، هنا بين الموقفين:
الحكومي والحزبي..
بل بقدر ما نستحضر مواقف بين الأغلبية وبين رئيسها، يمكن أن نسأل: هل رئيس الحكومة، كرجل دولة وفي موقع رجل التاريخ مطالب بأن يكسر التوافقات العامة في البلاد، لأجل ربح تاكتيكي او حتى شبه استراتيجي أم هو مطالب، عكس ذلك، بأن يعتمر قبعته الدستورية الكبيرة، التي يكون عليه ان يخطو بها نحو المستقبل، بدون أن يحصر المعادلة كلها في موقع هذا الحزب او ذاك، أو هذا الدور أو ذاك؟
بل يمكن ان نطرح ما هو أبعد منه، بغض النظر عن الجواب الذي يرتسم في الافق: اي خدمة سنقدمها للانتقال، من أجل الاستقرار في تطبيع سياسي نهائي، يمكن أن يفرز لنا، قواعد لعب نهائية وثابتة يمكن ان نستمر بها أكثر من اقتراع أو …اقتراعين؟.
أعتقد بأن النقاش الذي يجب أن يكون، لا بد من أن يتم تأطيره بضرورة خلق قواعد لعب نهائية في الحقل الانتخابي، لا تتغير كل أربع أو خمس سنوات، منظومة لعب قارة قادرة على فرز سياسي قريب من الواقع، قد ينقذ هذا أو ذاك من صعوبة الاختيار لكنه سيساعد على كسب حياة ديموقراطية سلسة لا تخشى الهزات ولا تستسلم للنزعات المستترة ولا للفوبيا.
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 20/10/2020