تاريخ وجغرافيا المغرب في الراهن: الوباء، والإرهاب والانفصال..

ثلاث معضلات كبرى، تواجهها بلاد المغرب، لا نعتقد بأنها تجتمع في أية دولة من دول العالم، قويها وضعيفها على حد سواء…
نشترك مع العالم في كورونا، وآثارها المدمرة، نشترك مع نصف الكرة الأرضية في الحرب على الإرهاب، إذ منذ أيام فقط تم الإعلان عن تفكيك خلية جديدة .
نشترك مع دول نادرة في مواجهة .. الانفصال، وطبول الحرب تصم آذان المغرب الكبير الصغيرة والكبيرة.
ونحن وحدنا نجمع المعضلات الثلاث برمتها!
ولولا أننا في الضفة الصحيحة من التاريخ لكنا وسط هذا المثلث المحرم في عسر من أمرنا…
لوحدها جائحة كورونا ركعت العالم، وأوقفت حركة عواصمه، وعبثت بأقدار الأفراد والجماعات، وروعت اقتصاديات أشد ضراوة وفتحت بوابة الجحيم وأحيت، في حركة مفارقة، قيم التضامن والتعاضد والتلاحم الإنساني.
ووحده الإرهاب، تقام له السياسات والمواجهات تحل ويعاد بناؤها، وتتفق له التكنولوجيات أو العقول الجديدة، وتنسى الدول معاركها وتتحالف ضده، وتوقظ شياطينها وتعمل ضد بعضها، تتآلف وتتخالف حول الاستراتيجيات…
ولوحده الانفصال تتجند له الدول عن بكرة أبيها، وتوقف كل شيءعلى محاربته ومطاردة أصحابه، وعليه تتوقف التحالفات والعداوات في الكراريس الدولية للعلاقات العامة…
في المغرب، أيضا، أجندة للمستقبل القريب..
تفصلنا عن السنة القادمة أسابيع قليلة، لن تكون كفيلة ليختفي ضلع من هذه الأضلع الثلاثة للمثلث القاسي الذي يواجهه المغرب العتيد…
مثلث تلتقي فيه الجغرافيا مع جوارها الصعب، الذي لا يفهم من الجوار سوى التنافس إن لم نقل الزحام العنيف، بالتاريخ، بثوابته، التي تجعل الدولة المغربية تقف على 12 قرنا، عليها أن تتقدم بها، خفافا نحو الأفق الآتي…
ففي بداية السنة القادمة، سيسلم لملك البلاد تركيب نظري عملي للنموذج التنموي الجديد الذي طالب المغرب به.
ونشرف علي مغرب جديد، فيما يكون مغرب تنموي آخر في لحظة أفول، وفي السنة القادمة، سيكون أمام اختبار التنخيب الذي سيقود هذه المعركة الثلاثية، بالإضافة إلى وضع خطة التنزيل لما يخص النموذج التنموي الجديد.
وهذا ما يجعل من الحتمي على الدولة أن تكون دولة استراتيجية، تضع وتخطط وتنفذ…محكوم عليها أن تنظر دوما إلى المدى البعيد، وأن تفكر في المستقبل، وتفكر في دورها في هذا المستقبل، الذي يبدو أنه سيجر، على مداه القريب، المعضلات الثلاث، في انتظار أن تنتهي معضلة الوباء في مداه المتوسط…
وعليه، محكوم على الدولة أن تخرج من الأركان الضيقة للمسارات الفردية والنخب العابرة ..
ترى أي نخبة يمكن أن يقدمها المجتمع اليوم لتعمل إلى جانب نخبة الدولة، التقنوقراط والإدارة والمؤسسات والوكالات، إلخ؟
للجواب عن ذلك، على الدولة، التي تحمل تاريخ وجغرافيات هذه المعضلات المذكورة أعلاه، أن تشغل أولا، سلطتها وشرعيتها، بما هما مقترنتان حتما في الديموقراطيات الناجحة حاليا، وبما هما محرك ودينامو التعبئة الوطنية، باعتبار اللحظة الوطنية ما زالت سارية والدولة في حاجة ماسة إلى قيمها وأحاسيسها ومشاعرها، لأنها لم تستكمل كل وحدتها، وترابها ما زال ينظر إليها بعين التاريخ الوطني.
يلي هذه القاعدة، البعد الترابي، وهو مشتق من البعد الأول في الواقع، مع إضافة تحديد جوهري، هو اللامركزية والجهوية باعتبارهما تغييرا في طبيعة الدولة وفيزيونوميتها ومركز قرارها ( الملك ذهب إلى حد قال فيه بأن جغرافية البلاد يجب أن تتغير لتصبح أكادير عاصمة المملكة الترابية)، ولا شك أن هناك صلاحيات، في هذا الأفق التاريخي، تفوق الإطار القانوني، حاليا ومستقبلا.
والبعد الثالث مرتبط بالصالح العام، والقدرة على ضمانه اجتماعيا واقتصاديا وخدماتيا……
والدولة هنا، ليس لها صالح خاص، بل إن صالحها هو الصالح العام، والقاعدة هاته هي التي تحكم تعاملها مع الغير، كالقطاع الخاص والمؤسسات المدنية والسياسية وغيرها…
والمفارقة أن هؤلاء الشركاء، الدستوريين وغير الدستوريين، لا يتمتعون بنفس الثقة التي تتمتع بها الدولة وكل مكوناتها في الوضع الراهن !( في الدفاع عن حوزة الوطن، في الدفاع عن أمن الوطن والمواطنين وفي الدفاع عن صحتهم ومستقبل أبنائهم البدني(.
قد يكون المغرب فعلا وحيدا في قدره لمواجهة هذه المعضلات الثلاث،بعضها فرضه تاريخ القرنين التاسع عشر والعشرين، وبعضها أطل مع بداية القرن الواحد والعشرين، في تراكب زمني يفسر الكثير من أعطاب التحديث!