تبون بين الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب واعتراف ترامب…الواقعية المخزية!

عبد الحميد جماهري
في اختيار صحيفة «لوبينيون» الفرنسية عنوانا معينا للحوار الذي أجرته مع رئيس دولة الجوار، موقف يلخص فكرة الحوار بذاته، وبؤرة الرسالة التي يريدها عبد المجيد تبون من الجريدة، فقد اختارت العنوان المتعلق بالصحراء.:» نبهت الرئيس ماكرون: أنتم ترتكبون خطأ جسيما». في ما يشبه التركيز على النقطة الخلافية التي يتفرع عنها الباقي.
في أزمتها مع مستعمرتها المفضلة( الجزائر)، صار كل الخلاف يتركز ويتلخص في موقف ماكرون من السيادة المغربية على الصحراء.
وبدون العودة إلى تأثير هذا الموقف على الملف برمته، والقراءة الثانية في « حرم التاريخ» لما تسببت فيه فرنسا للمغرب، وما ربحته وريثتها المغاربية من تراب المغرب.. إلخ، بدون العودة إلى ذلك، يمكن أن نسلط الضوء في حوار تبون على المفارقات والتناقضات التالية:
ـ وضع رئيس العسكر الجواب عن سؤال الأزمة في سياق محدد، يتعلق بلقاء تم على هامش قمة الدول الكبرى، وبالذات في شرطية انتخابية، تخص الرئيس ماكرون، والذي كان قد خسر الانتخابات الأوروبية ويسعى إلى استقطاب الأصوات المغربية والجزائرية في الانتخابات التي أعلنها داخليا بعد حل البرلمان. تبون يقول بأن الرئيس فاتحه في موضوع الاعتراف بمغربية الصحراء فكان جوابه بمستويين :
الأول:»نبهته،وقتها، ستقترفون خطأ جسيما. لن تربحوا شيئا وستخسروننا ( الجزائر)»، وهنا نلاحظ لبسا مقصودا بين ربح الانتخابات وربح الجزائر وخسرانها.
المستوى الثاني يهم الشرعية الدولية :»أنت تنسى بأنك عضو دائم في مجلس الأمن.. بمعنى حاميا للشرعية الدولية». في واقع التحليل نرى أن تبون ينسى أن فرنسا ليست العضو الدائم العضوية الأول الذي يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء، بل سبقته الولايات المتحدة، والتي تعد حاملة القلم في الملف، وهي صانعة قرارات مجلس الأمن والمتفاوضة عليها مع بقية الأعضاء، الدائمين منهم وغير الدائمين، ليس لنا من تفسير سوى أن المرة الوحيدة التي أراد فيها تبون أن يكون واقعيا أمام عاصفة ترامب الهوجاء،كانت واقعية مخزية ولا مبرر لها سوى محاولة استمالة واشنطن .. في مواجهة.. باريس !
ثم نرى أن تبون يرى الشرعية الدولية فقط في معارضة سيادة المغرب، ثم يتناسى أنه بدوره ينازع هاته الشرعية وحماية مجلس الأمن لها، عندما يريد إبطال حصرية الأمم المتحدة في معالجة الملف، عندما يسعى إلى الزج بالاتحاد الإفريقي (مثلا) في الملف !
رابعا، لم يقف الرئيس الجزائري بنفس العنجهية والتعالي مع واشنطن عند الاعتراف، كما فعل مع فرنسا وإسبانيا قبلها. بل نجد أنه تجاوز كل انحناءات التودد إلى ترامب، بلغت درجة أنه أعطى معنى آخر لتصريحاته بخصوص تهجير الفلسطينيين من غزة!
من مناقشات تبون في الحوار، أنه يطالب الرئيس الفرنسي بأن يسمع صوته، في قضية النفور والتقزز الفرنسي من السلوكات المجنونة للديبلوماسية الجزائرية. إذ شدد على « أهمية أن يسمع الرئيس الفرنسي والمثقفون ومؤيدو العلاقة أصواتهم»…
فهو يطلب منه إسماع صوته للدفاع عن نظام الجزائر في حين يريد منه أن يخرس صوته في قضية عادلة مثل مغربية الصحراء!
الأنكى من ذلك أنه يذهب بعيدا في النرجسية، عندما ينتظر موقفا من الرئيس يعاكس ما سبق التعبير عنه، ويلخص الجمهورية في رئيسها (ينتظر تصريحات قوية من رئيس الجمهورية: الجمهورية الفرنسية هي أولا رئيسها! )..
يكذب الرئيس الجزائري على ما كان الحسن الثاني يريده، كما يقول الرئيس الكونغولي دونيس ساسو نغيسو، ما لم يثبت أنه تصرف على ضوئه!
فقد صرح أن :» الحسن الثاني كان يريد تسوية مشكلة الصحراء الغربية قبيل وفاته في يوليوز 1999..وقد صرح بذلك للرئيس الكونغولي دونيس ساسو نغيسو: «لن أترك هذا الإرث لأبنائي». ولكن محمد السادس لم يتبع خطاه للأسف…».
أما كون الحسن الثاني كان يريد أن يسوي المشكلة قبل وفاته فالرد عليه أنه كان، رحمه الله، يريد تسويتها في الستينيات ثم في السبعينيات لما دعا إلى المسيرة ثم في ما بعدها عندما قبل الاستفتاء في ظروف معينة قبل أن تثبت الأمم المتحدة نفسها بأن تطبيقه مستحيل للغاية… وبالتالي لا يمكن أن نقف عند هذه النقطة…
كما أن المرحوم الحسن الثاني ظل يعتبر القضية الوطنية مسألة وجود كما كان قبله محمد الخامس وكما هو الأمر بعده مع محمد السادس.
أما في ما يخص الشهادة التي نسبها إلى ساسو نغيسو، فيكفي أن نشير إلى مواقف الكونغو الحالية، والتي لم تعترف بالبوليزاريو ولا بجمهوريتها، مما يدل على أن تبون لم يفهم ربما موقف رئيس الكونغو، الذي سبق له أن حيا جهود المغرب في تسوية القضية، استمع في وقت سابق إلى عروض المغرب، سواء عند استقبال بوريطة أو عندما استقبل ياسين المنصوري. ولن نضيف سوى أن الرجل «كان قد شكر جلالة الملك لأنه أشركه في مسلسل المشاورات الدولية بخصوص الحكم الذاتي..»، وهذه مواقف موثقة ولا تحتاج إلى سحر لمعرفتها!
ختاما، يبدو من خلال الحوار أن تبون مستعد للمصالحة مع إسرائيل والاعتراف بها وتطبيع العلاقات معها.
ويبدو مستعدا للعودة إلى الحضن الفرنسي بعد «دفع النفقة» الجيوسياسية المنتظرة ونسيان كل ما كان من ريع الذاكرة والمليون شهيد إذا ما تم التنكر لقرار الاعتراف بسيادة المغرب…
لكنه في القطيعة مع المغرب، عاد إلى الأساطير التي أسست عليها دولة الجوار، أيام الهواري بومدين، أسطوراتها. وقد لخصها في ما يلي:
س: القطيعة في العلاقة مع المغرب هل هي دائمة؟
ج:» لقد شرحت ذلك لكل الرؤساء الذين سنحت لي المناسبة بالحديث إليهم، نحن في طور ردود الفعل، للأسف مع جارنا تكاد تكون لعبة شطرنج نكون مضطرين فيها إلى رد على أفعال نراها عدائية. المغرب كان الأول في المس بالوحدة الترابية عند اعتدائه في 1963 بعد تسعة أشهر من استقلالنا..اعتداء خلف 850 شهيدا. وكانت له دوما تطلعات توسعية، والدليل أنه لم يعترف بموريتانيا إلا سنة 1972، أي بعد 12 سنة من استقلالها، والسلطات المغربية هي التي فرضت الفيزا على المواطنين الجزائريين في 1994 بعد تفجيرات مراكش..مؤخرا منعناهم من المجال الجوي لأنهم كانوا يقومون بتداريب عسكرية مشتركة مع الجيش الإسرائيلي على حدودنا، وهذا ضد سياسة حسن الجوار، التي حاولنا الحفاظ عليها..سيكون علينا وضع حد لهذا الوضع في يوم من الأيام..الشعب المغربي شعب شقيق لا نتمنى له إلا الخير..».
نسي فقط: أن هذا الشعب الشقيق، قتلت فلول النظام والانفصاليين عشرات المئات من أبنائه، ونسي أن القضية الوحيدة التي يتجند لها نظام الجزائر هي تقسيم المغرب، وتصفية وجوده، وتصفية نظامه الملكي..! أما «خرافات الأخوة» فقد ثبت أنهم لا يولونها أي أهمية..
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 06/02/2025