«تبون» بين السقوط الأخلاقي والتيه الأممي!

عبد الحميد جماهري
رجع رئيس الجزائر، وهو يخطب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، 32 سنة إلى الوراء، كي يطالب بتطبيق قرار الاستفتاء، الذي كانت عقارب الساعة قد وقفت عليه في سنة 1991 من تلك الفترة، قبل أن يصير في خبر كان.
وقد عاد إلى الوراء عقدين من الزمن وسنتين كي ينعت بلادنا، كذلك، بأنها بلد يحتل أرض الصحراء، ناعتا الأقاليم الجنوبية بأنها «آخر مستعمرة»…
أولا، سوف لن يغفر له المغاربة ولنظامه أبدا أن ينعت بلادهم بالبلاد المحتلة، وهي قد استكملت تحرير ترابها الجنوبي، وما زالت في منطق الدولة الوطنية الساعية إلى استكمال شرط وجودها الجغرافي التام. في حين ساعدت بلاده على تحرير شامل لتراب نصفه كان لها، ومن نظام لثورة التحرير تحول إلى نظام لـ»وَرثْة» الاستعمار !
ثانيا، يتحداه المغاربة، الذين عاشوا معركة التحرير في شمال إفريقيا ومعركة جيش التحرير المغربي في الأقاليم الجنوبية، في حرب واحدة، أن يقرأ صفحة واحدة من صفحات ذلك المجد ( الذي لم ينل منه سوى اسما شخصيا لا يبدو أنه يستطيع حمله عن جدارة واستحقاق)!
ثالثا: كان عليه أن يواصل رجوعه إلى الخلف، ويدخل التاريخ القهقرى كما اختار أن يفعل أول أمس في نيويورك، فما الذي يمنعه من أن يقطع نفس المسافة الزمنية (32 سنة)، ابتداء من سنة العودة التي أعلنها أمام العالم، أي 1991؟ وقتها سيجد نفسه في خمسينيات القرن الماضي، في ذلك الزمن الذي كان المغرب قد تحرر وأوقف بناء دولته على مساعدة دولة الجوار الشرقي على تحرير نفسها…
سيعود وسيجد نفسه في المنبر الأممي نفسه، وقد اعتلاه ملك عظيم اسمه محمد الخامس، وقف أمام الأمم المتحدة، يوم 9 دجنبر 1957، يدافع عن استقلال الجزائر لكي يكون لها الحق في تقرير مصيرها والحصول على استقلالها…
كان عليه أن يعمق جرحه الأخلاقي، إذا كان له ضمير، بمشاهد من تلك المرحلة، وما بعدها، يوم كان للجزائر صوت واحد هو صوت محمد الخامس، أما أصوات السلاح، فما كان لها أن تلعلع لولا ما جاءها من المغرب ومن حركته التحررية ومن ملكه وولي عهده! وكان عليه فقط أن يقرأ كتبا كتبها جزائريون عاصروه في آخر حياتهم (أهمهم صاحب «أسلحة الحرية.. الجزائر حرب التحرير» الرائد في جيش التحرير منصور بوداود، الذي كتب يتحدث عن إنشاء أول ورشات ووحدات تصنيع الأسلحة بالمغرب سنة 1956 وتمكن من صناعة 5 آلاف بندقية و100 ألف قطعة من الذخيرة و50 ألف قطعة خزان تم تحويلها إلى جيش الحدود قبل الاستقلال، حيث تم تعبئتها في صناديق وتم تحويلها إلى الجزائر).
لم يأت ليعلن معرفته بتاريخ بلاده التي يتهجى مبادئها «في صناعة الإنسان الجديد»، بل جاء لينكر ويعلن سقوطه المزلزل بأن نعت الشعب الذي حرر الجزائر واحتضن جيشها، وموَّل هياكل دولتها قبل أن ترى النور، بأنه بلد محتل للصحراء!
ليس بعد هذا السقوط، سقوط!
أما في صميم القضية، فإن مرجعيتها القانونية في ما أصبح يشكل الترسانة القانونية الأممية للحل ، صارت عنده وكأنها مزاج يرتب على حساب الرغبة الجزائرية، وأن عشرين عاما أو تزيد من التراكم القانوني والسياسي والمؤسساتي في القضية الوطنية يمكن أن يمسح بجرة قلم من رجل لا يحسن استعماله حتى!!
وقد جاء ليقول للعالم أو على الأقل نصفه وزد عليه قليلا بأنك مخطئ في قرارات عقدين من زمن تدبير قضية الصحراء المغربية.
ومما زاد في سقوطه الأخلاقي هو سطوه على قضية شعب فلسطين ليضعها عتبة لخطابه العدواني على المغرب، مجرد عتبة يوحي تزامنها مع ما يليها، بتشابه القضيتين، في فلسطين والصحراء.
هذا السطو، الذي حاول تمريره بادعاء نجاحه في توحيد الفلسطينيين (بالرغم من اعترافه الصريح في لقاء مع قنوات بلاده بأنهم مابغاوش!!!) يدبر به عداءه أكثر من انتصاره لقضية فلسطين التي تحظى بدعم المغرب الميداني والسياسي والديبلوماسي أكثر من دراهمه المعدودات!
على كل، نحن على أبواب أسابيع قليلة من اجتماع مجلس الأمن، ومن قرار جديد بخصوص الصحراء المغربية، التي تراكم المزيد من الدعم الواضح والصريح للمغرب، وسيعرف تبون بعد أن ينقشع الغبار، أحصان تحته أم حمار (وإن كنت شخصيا أعرف ما تحته!)
بالنسبة للذين يقرؤون الأدب المقارن، سيبدو عبد المجيد تبون في بذلة البطل الإشكالي، على طريقة البنيوي جورج لوكاش، ذلك البطل الذي يعيش تمزقا في عالم فض ويسعى جاهدا إلى تجميد الزمن، ويحرص، كي لا يصاب بالاكتئاب، على استمرار نفس الوقت الذي كان يعتقد فيه أنه صنديد ويتحكم في عناصر الزمان والمكان.
هذا البطل، عكس بطل الرواية، ادعى بأنه حريص على تقديم المساعدة لشعب هزه الزلزال، وقد اتهمه بالاحتلال من على منبر الأمم المتحدة!
هل يوجد جناح للمرضى في مبنى الأمم المتحدة لمعالجة الدول من الانفصام؟
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 21/09/2023