تعال يا صوت فيروز كلنا مرضى…!

عبد الحميد جماهري

كلنا مرضى يا فيروز!
ولد هذا الصوت وفي حوزته أسطورة
ولدت فيروز وفي فمها صوت الملحمة..
نستأمنها على حبنا،
وعلى الحزن أيضا.
ونكتشف بعد عمر في الأغنية،
وفي القسوة، كما في الحنين
كأنما لم نعش،
طوال عذاباتنا،
ورسائلنا، سوى في صوتها…
مع فيروز،
قضينا فصولا طويلة، بالقرب من القمر، كلما ندهته..
وقرب حبات الرمان كلما تناثرت من فمها، كنوتات موسيقية…
نطفو فوق آهاتها كلما انتابنا حزن
ونرمى علينا ورد الشبابيك، كلما فاجأنا الحب نَحنُّ إليه.
لا يأتي القمر..
إلا في هالة من أنينها.
كلنا مرضى يا فيروز،
وكل أرض عذراء
في هذه الآلام الممتلئة حتى النصف.
حينما سنغادر، سنعلَقُ بحبال صوتك كحبات المطر،
كالخطاطيف، تكسونا بُحَّتك ..
حين سنرحل.
سيصادفنا صوتك، كحجر كريم،
في الأزقة القديمة، يصادفنا عطر فتاة
وفي الحدائق، خيط ضوء،
وفي رسائل المراهقة،
فراشة بيضاء…
وفي الجاز الشرقي
سيحتلنا كقصيدة نثر يتيمة
كشتيمة أيضا.
**
ابْقينا في صوتك، حتى يعود العالم إلى صوابه
وتهدأ أوجاعنا..
**
كل سلم، كل صولفيج
منفذ إغاثة للهروب
من الحرب،
والحرائق
وانتكاسات الحب الأخيرة
لازاد لنا في هذه الشيخوخة المتعثرة
سوى الاحتكاك باللانهائي بهدوء
بنوتة موسيقية في فمك

**
عجيب هذا الصوت
جرب كل شيء
جرب طفولة الحب،
جرب الطفولة وحدها
جرب الحب وحده
وجرب اليأس،
جرب السجن،
جرب الموت،
جرب الحرب
جرب كل شيء، ولم يتغير!
**

أي شيء نتمناه لفيروز في يوم مولدها يا ترى؟
أن تكون قد نُحتتْ من صوتها.
فلا طين، نعرفه، ذلك الذين تلتقي عنده كل الجداول..
تتدفق منه الموسيقى،

تعال أيها الصوت
كلنا مرضى.

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 24/11/2018