تعديلات ترامب والمغرب… طمأنينة أكثر

عبد الحميد جماهري

لم يتردّد جزء واسع من نخبة القرار والإعلام في المغرب، في اعتبار الـ»كاستينغ» الجديد للإدارة الأمريكية ورقةً رابحةً للمغرب في معالجة الملفّ الأساس في البلاد، أي قضية الصحراء، ويتعلّق الأمر بتعيين الرئيس دونالد ترامب مستشاره في الأمن القومي مايك والتز مندوباً دائماً للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وتكليف وزير خارجيته ماركو روبيو بهذه المهمّة مؤقّتاً. ومردّ هذه القراءة الإيجابية، التي قامت بها النخبة ارتباطاً بالملفّ الذي طال نصف قرن من الزمن السياسي للمغرب المستقلّ، أن والتز (تعيينه الجديد بمثابة منصب وزير في الحكومة في الوقت نفسه) يُعدُّ «المترجم» الفعلي لعقيدة الرئيس ترامب في ملفّات الأمن القومي وتوازن القوى الدولية، ومن هذه الزاوية، فهو ورقة إضافية للديبلوماسية المغربية، لأنه أحد أوفى الأوفياء وأصفى الأصفياء للرئيس ترامب، واستقبل رئيس الديبلوماسية المغربية، في الأسبوع الأول من أبريل الماضي، قبيل إعلان الديبلوماسية الأمريكية، على لسان ماركو روبيو، تحوّلاً عملياً وإجرائياً في تدبير واشنطن، حاملة القلم في قضية الصحراء لهذا الملفّ.
ولم يكن استقباله وزير الخارجية المغربي، بمناسبة الاجتماع السنوي لمجلس الأمن حول قضية الصحراء بروتوكولياً أو رمزياً، بل جاء قبل ساعات قليلة من إعلان الانخراط الأمريكي الجديد في دعم المغرب عبر خطّة عملية محدّدة الزوايا، تميزت بتجديد الدعم الأمريكي لمغربية الصحراء المُعلَن عنه في ولاية ترامب الأولى، ثمّ انتقلت إلى إعلان اعتبار «الحكم الذاتي هو الإطار الوحيد لحلّ القضية»، مع دعوة الأطراف المعنية (المغرب والجزائر وبوليساريو وموريتانيا)، كما نصّت عليها قرارات مجلس الأمن، وجديدها أخيراً القرار 2703، إلى الوصول إلى حلّ في زمن قريب، ثمّ التزام الولايات المتحدة في شخص إدارتها الخارجية بـ»العمل على تسهيل عملية التفاوض بين الأطراف» للوصول إلى حلّ، في الزمن المحدّد. اللقاء الذي دار بين مايك والتز، والمغربي ناصر بوريطة، قبل ساعات من اللقاء الذي جمع هذا الأخير بوزير الخارجية ماركو روبيو، تُوّج ببيان مقتضب ودقيق، يستفاد منه في وضع الإطار للقاءَين معاً على قاعدة «العلاقات الاستراتيجية متعدّدة الأبعاد بين المغرب والولايات المتحدة»، واستحضار «الأولويات المشتركة بينهما بخصوص الأمن والاستقرار الإقليميين».
ومن هذه الزاوية فإن تعيين المستشار الرئاسي في الأمن القومي مايك والتز مندوباً دائماً للأمم المتحدة يعتبر في نظر المعلّقين المغاربة، وأصحاب القرار، تعيين أحد العارفين بعقيدة ترامب في القضية وعلاقتها بالأمن الإقليمي، الذي سيسهر على تنزيل هذه الخطّة إلى جانب رئيس الديبلوماسية ماركو روبيو.
ومن المفيد القول إن روبيو أعلن غير مرّة (كانت آخرها عند مثوله أمام الكونغرس في يناير 2024 للمصادقة على تعيينه) أنه يرى في المغرب «نموذجاً للاستقرار الإقليمي والقارّي»، وهو «شريك موثوق به»، حسب تعبيره، ويحظى بالأولوية في العلاقات الإقليمية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا في المنطقة جنوب الصحراء والساحل. وتتعدّد طبقات هذا التعاون بين الطرفَين، من محاربة الإرهاب إلى الشراكة العسكرية، وضمنها تمارين الأسد الإفريقي مع حلف شمال الأطلسي، إلى ما يتعدّى ذلك من تنسيق في القضايا الإقليمية الساخنة.
بالنسبة لتكليف ماركو روبيو بالأمن القومي، فهي المرّة الثانية التي يقع فيها الجمع بين الخارجية والأمن القومي منذ أيام هنري كيسنجر في سبعينيّات القرن الماضي، حين تولّى ثعلب الواقعية الأمريكية في التوازن الدولي ومهندس الديبلوماسية (له كتاب بهذا الاسم وضع فيه خلاصة عقيدته التي صارت عقيدةً أمريكية جامعة)، وهو ما يكشف الحاجة إلى نظرة أوسع لدى الإدارة الأمريكية في مجال محكوم بسرعتَين (أو بمستويَين) في التفكير والفعل: المستوى العملي، الفوري المُتفاعل الذي يمثِّله وزير الخارجية المتحرك على إيقاع يومي سريع محكوم في غالبه بالمدى القصير، مقابل السرعة التي تتطلّبها مهمّة المستشار في الأمن القومي، والمبنية على المديَين المتوسّط والبعيد، وتتطلّب سلك مسارات الفكرة الاستراتيجية والمراهنة على الزمن وقراءة التحوّلات في صيرورتها و ديمومتها.
هل سينجح ماركو روبيو؟… لننتظر ونرَ. وإلى حينه، يرى المغرب فيه الطرف الثاني في ثنائي يعمل بشكل وثيق، فهما معاً من الجيل الجديد في الحزب الجمهوري (من مواليد السبعينيّات)، وهما عملا معاً منذ 2016 على الأقلّ عندما عاضد بعضهما بعضاً في مواجهة ترامب نفسه في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الجمهوري، وهما معاً منتخبان، لهما وزنهما في قضايا الخارجية والدفاع باعتبار دورهما في اللجنتَين المعنيّتَين في مجلسَي الشيوخ والنواب، إضافة إلى القرابة في التحليل في ما يخصّ القضايا الدولية والموازين الجيوستراتيجية الجديدة مع صعود الصين وانعكاسات التحرّك الروسي وخلافهما. وسيكون الرجلان على تماس مباشر مع قضية الصحراء المغربية. وينتظر منهما تفعيل الخطّة الأمريكية بخصوصها من داخل مجلس الأمن (والتز) ومن خارجه (روبيو)، ومرافقة المبعوث الشخصي للرئيس ترامب إلى شمال إفريقيا والشرق الأوسط، الأمريكي اللبناني مسعد بولس، على قاعدة أن الصحراء المغربية توجد في قلب الاستقرار والأمن الإقليميَّين، وهي القاعدة نفسها التي استعملها المغرب نظاراتٍ لقراءة التطوّرات التي تحدث سواء في البيت الداخلي الأمريكي أو في المواقف المُعلَن عنها أو في تحديد الشراكات الدولية. ويرى مسؤول ديبلوماسي رفيع المستوى (تحدّث إليه كاتب هذه السطور) أن المعايير البنيوية «الحاسمة في التعامل الأمريكي مع المغرب يحدّدها الرئيس، وتترجمها الدائرة اللصيقة برئاسته». وعليه، فإنّ المواقف تحدّدت قبلاً مع العلم أن «والتز كما روبيو على علاقات جيّدة مع الديبلوماسية المغربية». وعن سؤال: هل سيربح المغرب من إعادة الانتشار هذه، خصوصاً مجيء مايك والتز إلى الأمم المتحدة، كان الجواب بأن «المغرب لن يخسر منها».
وبالعودة إلى الإعلان عن تكليف ترامب، مايك والتز، كما نشرته الصحافة، يرى نائب الرئيس دي جيه فانس أنها «ترقية»، باعتبار أنه منصب يخضع إجبارياً لموافقة الكونغرس أولاً، ثمّ إن السياق الذي وردت فيه، والخاصّ بالخطأ في التسريبات العسكرية ذات الصلة بالحوثيين، كان من الممكن أن يفضي إلى نهايته السياسية ثانياً، ثمّ (والأهم ممّا سبق) أن الرئيس لم يعلن خلافاً مع مستشاره مايك والتز، ولا أقاله بواضح العبارة كما فعل مع مستشاره في الولاية الأولى جون بولتون، الذي كرّس مجهوداً كبيراً في مضايقة المغرب، وأحيانا معاداته. وكلّها عناصر طمأنينة للمغاربة.

نشر بالعربي الجديد06مايو 2025

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 07/05/2025