تفاصيل القرار الأوروبي ومع ذلك فالأزمة قائمة وإسبانيا مسؤولة عنها!

عبد الحميد جماهري

يستوجب القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي عدة قراءات، لعل أولها استهجان توريط البرلمان نفسه في علاقة ثنائية، وكون إدراج النقطة نفسها في النقاش المؤسساتي الأوروبي أمرا غير مرغوب فيه من زاوية مصلحة المغرب وصورته الدولية، غير أن القراءة السريعة الأولية تعطينا ما يلي:
– من أصل 705 أعضاء وعضوات في البرلمان الأوروبي لم يحصل القرار الذي قدمته مدريد حول الأزمة المغربية الإسبانية سوى على 397 مع، في حين صوت85 ضد، وامتنع 196، وغاب من غاب.
– في الغياب نلاحظ أن قرابة النصف لم تعتبر نفسها معنية بالقرار، أوروبيا، وهو أمر لا يمكن أن نغفله، لأن الغياب في موضوع تعبأت له الآلة الديبلوماسية الإسبانية وبعض أنصارها الأوروبيين لأجل تغطية واسعة من برلمان أوروبا، له أكثر من دلالة…
– في التصويت: القرار تم تبنيه بنسبة تقل قليلا عن 60% من العدد الإجمالي للبرلمانيين، وإن كان المصوتون من بين الحاضرين ساندوا بأغلبية، أي أغلبية الحضور لا أغلبية الأعضاء.. وقد تعني المواقف، في حالة المعارضة وفي حالة الامتناع وفي حالة الغياب الكثيف، تحفظا على مسطرة الاستعجال التي تبنتها إسبانيا للزج بالبرلمان الأوروبي في الأزمة الثنائية مع المغرب.
الإجماع، الذي بشرت به الصحافة الإسبانية أو من يساندها، لم يحصل إذن، وحتى باستقراء الأرقام الخاصة بتصويت الحاضرين، تضاءل الموقف المساند إلى النصف في حالة احتساب العضوية الكاملة.
– الضغوطات الإسبانية التي مورست على أوروبا لم تعط ما كانت مدريد تمني به نفسها، حول اصطفاف أوروبي لامشروط وراءها. ورغم ما استعملته من أساليب وضغوطات، فنص القرار أبعد ما يكون عن إجماع أوروبا..
في معنى القرار:
– القرار غير ملزم، ولا آثار سياسية أو غيرها له، بل إن تأثيره صفر من وجهة نظر المغرب.. وبالنظر إلى قوانين الاتحاد الأوروبي . وحسب العارفين فإن آثاره المالية والسياسية على مجمل الاتفاقات المغربية الأوروبية منعدمة، وهذا لا يمنع، في المقابل، اعتبار بأن إسبانيا أرادت المس بصورة المغرب، من خلال هذا القرار وحيثياته، غير أن العقلانية تمنعنا من أن نستصغر إصداره، ولو بالشكل الذي ورد به .
ويقتضي أن نعرف أن لنا أصدقاء أوروبيين لا يترددون في معارضة نواب آخرين من قارتهم، وآخرون لا يترددون في مقاطعة التصويت الكيدي، لأجل علاقة متزنة مع المغرب، وأيضا من أجل تحرير البرلمان الأوروبي من قبضة دولة تهرب إلى الأمام في أزمة ثنائية.
– القرار الذي جاء بهذا الشكل، يأتي في مرحلة ثالثة من التحرك الإسباني، فقد فشلت مدريد في استصدار قرار من اللجنة الأوروبية، أولا ثم من المجلس الأوروبي ثانيا، ولم تحصل سوى على نصف دعم في الضربة الثالثة.
-لعل أحسن تعبير هو أن نص القرار، كان ثمرة «توافق رخو»، أو تسوية مترهلة غير ذات نفع.. والسبب هو أن الاقتراح الأول الذي قدمه النواب الإسبان دخلت عليه تعديلات كثيرة، من جهة، كما تقدم نواب آخرون بتعديلات في النص اضطر الإسبان إلى تكشير أنيابهم بشراسة ضدها.
وكان أن القرار الأصلي أراد »إدانة« المغرب، وتم اقتراح «التعبير عن الأسف« وهو ما رفضه الإسبانيون ليستقر القرار على التعبير عن رفض.
وكانت النسخة المقدمة من نواب إسبانيا تريد أيضا الإدانة للسلطات المغربية، وإقحام قضايا حقوقية وسياسية ذات العلاقة بالداخل المغربي، ولم تنجح في حصد الموافقة من النواب…
ومحصلة هذا الفصل من المسرحية أن غالبية النواب الأوروبيين لم تكن راضية على المنحى الذي تسلكه إسبانيا في هروبها من أزمة تتحمل فيها المسؤولية أولا وأخيرا.
إلى ذلك سيكون لنا ما يلي:
على عكس ما أرادت حكومة سانشيز، لم يكن وقت القرار ومناقشته وتعديله »وقتا ميتا« في زمن التوتر، بل إن القرار لم يغير من طبيعة الأزمة بيننا وبين جارتنا الشمالية.
– أسبابها ستظل قائمة وعلى إسبانيا أن تجيب عنها عوض المنحى التصعيدي الذي اختارته .
– الزج بالاتحاد الأوروبي بيَّن أن مدريد غير قادرة على نِدِّية متكافئة مع المغرب، وأنها سعت للاستعانة بحلف أوروبي رخو ضد بلادنا.
– العلاقة الرصينة والهادئة مع الاتحاد الأوروبي تهم الكثير من الأوروبيين، ممن غابوا ومن عارضوا ومن امتنعوا عن التصويت على القرار، أكثر من العصاب الديبلوماسي الذي أظهرته مدريد.
وفي هذا السياق يسجل المغرب نقطا في تدبير المشكل المفتعل، ولا سيما قضية القاصرين التي انطلقت منها ديباجة القرار.
وقد كان المغرب سباقا إلى سحب هذه النقطة عمليا من الاستعمال السياسي، ولو بتنسيب النتيجة.
وعليه أن يواصل عمله لكي يكشف القصور المتأتي من الطرف الآخر في حل المعضلة، ولا سيما العجز الإسباني عن احترام حقوق الأطفال أثناء الأزمة.
وهي مناسبة لكي يركز المغرب جهوده على ربط المريض المزور وزعيم دولة الاغتصاب والتعذيب والقتل، باستخدام القاصرين في الحرب، وتمجيد انخراطهم في صفوف الانفصاليين، وهناك ولا شك بنك معلومات كاف لفضح النفاق الإسباني حول قضية الأطفال المحتجزين واستعمالهم البغيض في أتون الجندية الانفصالية.
وعلى المغرب أن يحرص على فك المسارين الإسباني والأوروبي الجماعي في تدبير الأزمة، وهي مسألة حيوية، سواء في مواقفه الرسمية أو في تصريحات مسؤوليه.
يجب ألا تنجح إسبانيا في العودة إلى الكتلة الأوروبية، مجددا، وهو ما يقتضي من المغرب فك المسارين عن بعضهما البعض….

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 12/06/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *