ثلاثية التعذيب، الدم والاعتقال…

عبد الحميد جماهري
1- التعذيب : الملك ، الصرامة من أجل الكرامة!
** هل نحتاج إلى تعميم قاموس الماضي على مغربنا الجديد، حتى لا نشعر بالغربة فيه؟***
تعيش البلاد منذ الأسابيع القليلة الماضية على إيقاع ثلاثية لا يمكن أن تترك أي وطني محايدا، ثلاثية يصعب أن نضعها في ثلاجة التحليل البارد المطمئن إلى قناعاته الشكلانية، بدعوى التحكم في المصائر قبل الإعلان عن نفسها:
في هذه الثلاثية:
** توازن الدم…، في الخطاب بين الأمن والشارع،
**عودة قاموس التعذيب ومطالب الاعتقال …
وكل تحت مظلة حارقة اسمها
**عجز واضح في الثقة…
لنتحدث عن آخر العنقود، المتلألئ كالسراب، والمتعلق بالتعذيب..
عندما كتب العبد الفقير إلى رحمة ربه منذ أسبوع مضى: متسائلا:»عودة التعذيب«؟
تم تقديم جواب :»عندما يسائلنا التعذيب لا يكون الجواب سوى الألم«..
كانت ردود الفعل المستغربة غير قليلة، وكثيرون اعتقدوا بأن كاتب السطور وقع تحت تأثير شاعرية مرتجلة في لحظة حيرة سياسية!
لحظة يكون الماضي فيها والمستقبل شريكان في القلق، ويمثلان نوعا» من العاطفة الحزينة«» كلما عادت الذاكرة بثقلها إلى الحياة…
غير أن ملك البلاد أعطى للأشياء المعنى الذي يجب أن يكون لها!
فقد اختار ملك البلاد أن يعطي تعليماته بالتحقيق في التعذيب الذي يكون قد تعرض له المعتقلون على خلفية حراك الحسيمة..
وبذلك يكون الملك قد رسم الحديث عن التعذيب، نفيا أو ثبوتا، سلبا أو إيجابا، على هامش دينامية احتجاجية
هي المحرك الأول اليوم في المواقف السياسية وفي خلفيات كل التحركات..
التعذيب ككلمة تحمل معها جذورها التاريخية
القريبة قبل البعيدة، وتحمل معها منطقها
وتحمل معها أيضا جغرافيتها..
والدول التي نجحت في مصالحاتها الكبرى هي الدول التي استطاعت أن تمحو من قاموسها، كلمات تحمل تاريخا وجغرافيا ومنطقا لاإنسانيا..
سيحتفظ التاريخ للملك محمد السادس بأنه، عندما تعالت الأصوات الحقوقية والعائلية والسياسية والإنسانية تحذر من «عودة» التعذيب، كان جوابه أسرع منا كلنا، ورسم الحديث الذي بدا مختلفا، وهامسا ومشحونا عن التعذيب، …لا أعتقد بأنه يريد أن يرتبط اسمه في التاريخ بوجود حالات تعذيب ولم يسارع إلى معرفتها..
ولهذا سنعود مجددا إلى فتح صفحة المصالحة
وتوصيات الهيئة التي حملت اسمها
ونعود أيضا إلى تحديد سلوك الدولة في لحظة غير بسيطة بالمرة!
لسنا بصدد تقديم تعريف للتعذيب، لكننا بصدد البحث عنه في الجسد المغربي الريفي..
لأن التعذيب، هو عنوان انتكاسة أكثر منه عنوان انزياح
إذا حدث..ولهذا يكون دوما من المستفز للعقل الديمقراطي، كما أعلنت الدولة نفسها تبنيه، أن يعود هذا الحديث في تواتر مع حديث آخر عن الاعتقالات ورفعها كمطالب تضع إطارا قديما للمغرب الجديد..
ويكون من المستفز أيضا أن يعود الحديث عنه، في سياق الحديث عن عجز في الثقة والوسائط السياسية …
ومن المستفز أيضا العودة إليه في مجال أمني سياسي يكون فيه «نوع من توازن الدم» حاضرا بين الأمني الذي يؤدي وظيفة متفقا عليها، وبين الشارع الذي يؤدي رسالة يجب أن يحصل الاتفاق حولها لكي تصبح السياسة ممكنة.…
ومن اللحظات التي تسائلنا عن التعذيب و توازن الدم
والاعتقال، أن هذا القاموس السياسي القانوني و الضخم يعود في حديث، ولو استشباحي، يستعرض مخاوف الدولة والمجتمع معا، عن الاستقرار والفوضى ..
هناك قاموس بكامله يرفض أن يخرج نهائيا من لحظة المغرب الحالي إلى الماضي،
قاموس ماضوي لا يريد أن يمضي إلى حال تاريخه ونسيانه..
وعندما تلجأ الطبقة السياسة إلى قاموس معروف، مرتبط بلحظات الاحتقان الماضية، فهناك ما يعني بأننا لم نستطع أن نسمي عالما جديدا بقاموس جديد ولغة جديدة، ربما لأن هذا العالم لم نره بعد!
العودة إلى القاموس القديم لتسمية الواقع الحالي في المغرب مخاطرة رهيبة في سجن بلاد بكامل مستقبلها في قمقم المخاوف القديمة…
»إن الاستقرار في اللاحركة
يعني الجمود..
الاستقرار الأفضل هو الذي يتم داخل الحركة» هذا ما لم نستسغ بعد في طبقتنا الصانعة لليومي في السياسة والاستراتيجي في الدولة تبسيطه في التداول العام!…
وداخل منطق الإصلاح لا منطق التخويف.. لا يمكن أن نعثر على توازن الدم، والاعتقال والثقة…. إلا إذا كان هناك فقر في القاموس، الذي نريد توصيف الحاضر به..
فالماضي كحاجة لغوية في السياسة إثبات لعجز..وإثبات عن نكوص في الممارسة، وردة في الفعل المؤطر للدولة في السياسة والعلاقة مع الناس!
وهو في العادة، نزوع، نحو تعميم الحنين إلى القاموس إياه لكي نشعر بالغربة في العالم الجديد، الذي يبحث عن لغته وبالتالي …عن معناه!
لقد كانت لغة ملك البلاد، تبغي الصرامة في التحقيق، وهي طريقة نرى فيها، كخائفين على بلد يتعافى بصعوبة من ماضيه، تدبيرا حقوقيا لصيانة الكرامة.. وعلى عكس ما قد يغري آخرين بجعل الصرامة، مناهضة للكرامة!
«غدا، توازن الدم»
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 10/06/2017