جنين ويوميات الموت العاري…!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

يُحرم الشهيد الفلسطيني من حقه في الجثمان، وما زال إلى حد كتابة هذا الرثاء الغاضب لم يتم تشييع جثامين القتلى الـ10¡ ومازالوا داخل الثلاجات في المستشفيات.
تفننت إسرائيل في القتل، بقناتين فوق السطوح، ودبابات وفيالق الجو الهادرة تصب رصاص رداها على الفلسطيني فوق أرضه. كماشات تنقله من الحياة إلى الموت، بدون أن يكون له سبيل إلى الأرض، ويظل عالقا في قصة لا تتكرر إلا في الأسطورة: جثة فوق الأرض تنتظر نهاية الحرب أو نهاية التفاوضات.
أحياء المخيم تشهد مواجهات واشتباكات عنيفة، وأصوات الانفجارات وسحب الدخان تخرج من منازل يتم قصفها عبر الطائرة المسيرة الإسرائيلية… ويتكرر المشهد منذ أيام لأن المجنون اليميني يجتهد أكثر في تأويل سورة الاستيطان ومعه سورة الاحتلال..
في الوقت ذاته، يضيف الفلسطيني الشهيد إلى جثته ساعات إضافية في الموت العاري!
ينتظر الفلسطيني دولته كما ينتظر قبره: القبر دولة الدنيا كما نقول القبر بيت الآخرة، لكن في القصة الفلسطينية لا تولد الدولة بدون قبور من ماتوا من أجلها! ومن استحالة المعادلة الفلسطينية أن الشهيد يقاتل بعد موته من أجل القبر والحق في التربة نفسها، وتصل إسرائيل بالعقدة إلى منتهاها عمدا****** تحرمه من التربة في قبره!
هل سيحسن الضمير العالمي من «ضميريته»؟ هل سيجود عاطفته كي يراقب بغضب استمرار المجازر تحت أعينه¿ هل سيتوحد العرب حول الجثة كما لم يفعلوا أمام الجسد الحي المعرض للرصاص؟
لاشيء بدهي للأسف: فالإبادة تستمر، بدعوى الحق في الأمن، ويتعطل السلام لأنه لا أحد سيسلم بسلام مع وجود إرادة طاغية في تعميم الإبادة في حق الطرف الحقيقي في طاولة السلام!
ولعل الجنون الذي يعيش الفلسطيني تحت طائلته، لا يمكن فهمه، إلا بحجم ما يخطط له يمين مجنون وصل السلطة في عز التفاهمات الكبرى في الشرق الأوسط ، التي تعطلت لأن الغزاة يخافون من السلام ومن جثث من يقتلون!
ولا سيما وقد تخلت الأكذوبة عن الإخراج السياسي (الديموقراطية) الذي يقود إلى السلطة عبر الاقتراع.
هو الجيش الإسرائيلي يشن أعنف عملية عسكرية في الضفة الغربية منذ عام 2002.. مضت عشرون عاما لم يعرف ÝíåÇ الفلسطيني في جنين هذه القسوة الدموية والمجرمة¡ التي كانت تنتظر وصول الجنون إلى سدة الديموقراطية الإسرائيلية والحكم!
إن التطبيع، مهما كانت الأشكال التي يتخذها، لن يجعل من إسرائيل دولة طبيعية إذا لم يتحقق حق الفلسطيني في الوجود وفي الحياة وفي الدولة وفي الأرض وفي التاريخ.. ولا يمكن بناء علاقات سلام على أية نزعة تقريبية تعوض الديبلوماسية وحقائق الواقع الدموي بحساب الاحتمالات !
فـ”الحقائق”التي عبر عنها ايتمار بن غفير لا يمكن إلا أن تفضي إلى هذا الجحيم، وبعقلية الإصرار والترصد المسبق¡ فقد جمع إليه المستوطنين وأعلن علنا ضرورة احتلال الأرض كلها، وإجبارية الحاجة إلى عملية عسكرية كي يقوم الائتلاف الحكومي، وأعلن بالحرف” قتل الإرهابيين ليس واحدا ولا اثنين بل العشرات أو الآلاف¡ وبذلك نحقق حلمنا الكبير.. أرض إسرائيل لشعب إسرائيل”.
هو نفس الشعار الذي رفعه هتلر وسماه “الحل النهائي”، يعود باسم الضحية السابقة كي يتحول الفلسطيني إلى ضحية تراجيدية جديدة .
قائل هذا هو زعيم من الأغلبية الحالية التي تفاوضت حول تشكيل الحكومة مقابل الحرب على الفلسطيني.. فكانت هجومات دموية تليها ردود دفاعية قوية، وتنطلق الدوامة مجنونة، ومن حماقات الجيل السياسي اليميني الجديد أن البرنامج السياسي في الحد الأدنى له، هو توفير شروط المجزرة وقيام القيامة¡ والعمل على إلغاء الأرض الفلسطينية في حدودها الأممية، باسم الأحلام الفاشية الدينية الجديدة في أرض فلسطينية بمقتضى القرار الأممي، وبمقتضى اتفاقات الوزارات الأساسية، وهذه المعادلة الجديدة ليست في حقيقتها نتيجة تفاوض مع الوزير الأول نتانياهو بل نتيجة «تفاهم» مع الجريمة، وتفاوض تهزم فيه كل فرص السلام .. تفاوض مع الدمار والخراب الشامل..
هو نداء للقتل لا يجدي فيه بأي حال نداء العالم إلى ضبط النفس.
والمخجل أن الذي يصدر نداء الإبادة ما زال بدون عقاب، والغرب لا يعطي للدعوة الجهنمية ما تستحقه من مشاعر إدانة. هل سيرفع الغرب الآن تماثلا دلاليا بين الفلسطيني الذي يدافع عن نفسه¡ وبين القاتل الذي يدعو إلى اجتثاث جنس بشري بكامله من على أرض فلسطين؟ هل سيتهم من يفضح الكارثة بالتواطؤ مع حماس أو الجهاد ؟
لا أحد سيصدق المهزلة.. لا أفق للفلسطيني حيا أو ميتا سوى أن يبحث عن أرض ليحيا أو يدفن فيها.
وأصدقاء إسرائيل ـ كما كتب بيير حسكي- اليهود وغير اليهود، الذين سيختارون الصمت، هم أصدقاء سيئون بل هم متواطئون..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 05/07/2023