جهوية من …الداخلة إلى إفريقيا!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
اختار ملك البلاد رئيس جهة الداخلة – وادي الذهب لقراءة رسالته. والرئيس ينجا الخطاط قد عاد منذ أيام من لقاء الوفد المغربي مع المبعوث الخاص للأمين العام الأممي الألماني كوهلر.
وقتها سجلنا، أن اللقاء كان إقرارا بمشروعية تواجد رئيسي جهتين في الصحراء، هو إقرار بشرعية تمثيليتهم، وأيضا ضرب في مستوى معين لأطروحة عششت كثيرا في الأذهان المناهضة عن التمثيلية الأحادية لجبهة البوليزاريو..
الرسالة الملكية، أيضا وضعت عنوانا كبيرا لها الجهوية، وهي ، بذلك وردت باعتبار مستوى يتجاوز التدبير الترابي أو الإداري إلى ما هو أبعد، أي حسب منطوق الرسالة باعتبارها: «تجسيدا فعليا لإرادة قوية على تجديد بنيات الدولة وتحديثها»..
ويترتب عليها، إعادة تعريف الدولة لنفسها، وهو تمرين لا يقف عند الأدبيات المتعلقة بالدولة، بقدر ما يتجاوزه إلى إعادة النظر في كل ما ترسب في وعي الدولة ولا وعيها من ممارسات وذهنيات وأدوار..
واختار ملك البلاد أيضا أن يتوجه إلى المشاركين في ملتٍقى (كرانس مونتانا)، والذي جعلت منه الأطراف المناهضة للبلاد، فصلا دائما في منازعة المغرب، وهو موعد تجرب به الأطراف الانفصالية قوتها على التأثير، وتفشل فيه..
وهذا التوجه في الرسالة لا يخرج عن البيداغوجية العامة التي تسعى إليها ، في ما يخص الإقناع بجدوى الحل الجهوي، وفي مرحلة ثانية مقترح الحكم الذاتي في إعادة تعريف المغرب ضمن وحدة التراب والإنسان ولكن بهوية جديدة للدولة..
ولنا أن نغامر بالقول إن في تأكيد الرسالة من داخل جهة صحراوية، وأمام ملتٍقى دولي، في الصحراء، تأكيدا على جدية المقترح العام للحل السياسي في الصحراء كما يراه المغرب..
الرسالة، في مضمونها أيضا ربطت بين قارية الدور التاريخي للصحراء وبين جهوية دورها للقيام بذلك.
فالجهة اليوم عتبة قارة، وليست فقط إصلاحا في هندسة الدولة المغربية.
هذا الربط بين البعد القاري وبين الجهوية يحمل مشروعه في ذاته، وليس احتفاء أدبيا أو أخلاقيا تفرضه شروط الضيافة والاعتزاز، بقدر ما أن الدولة لا يمكنها اليوم أن تحتكر لنفسها الأدوار القارية، أو على الأقل لا يمكنها القيام بذلك بنجاعة تاريخية وحضارية إلا بتعاون مع الجهة…
وهو اختيار سيعيد ترتيب أشياء كثيرة حول هذا البند الجهوي، سواء في تمتين العلاقات الموجودة أو في إنشاء أخرى قادمة…. كما سيعيد تركيب إبدالات كثيرة كمستقبل إفريقيا، والتنمية المستدامة، والتعاون جنوب- جنوب..
في الرسالة الملكية نقرأ أن القارة الإفريقية لا يعوزها الطموح ولا الإرادة اللازمة لتحقيق التنمية المنشودة واستثمار الفرص التي تتيحها العولمة والاستفادة منها على النحو الأمثل، «بقدر ما هي في حاجة إلى بلورة أشكال تنظيمية جماعية جديدة لإدارة المجالات الترابية وتدبيرها»….
وتدخل الرسالة ضمن المتن الدستوري الذي ظل جلالته يعيد التأكيد عليه، على الأقل منذ 2010… ولطالما ذكرت خطبه بالشرط الجهوي للإقلاع، كما لتجديد النموذج التنموي…:
1 – في 2008، تحدث جلالته في ذكرى المسيرة، عن فتح صفحة جديدة و تحت مظلة الإصلاح بإطلاق مسار الجهوية المتقدمة والمتدرجة بالإحالة أيضا على الحكم الذاتي «متى تم التوافق السياسي» حوله.
2 – في 2009، وبمناسبة عيد العرش، أعلن جلالته عن تنصيب اللجنة الاستشارية.. مع التأكيد من ملك البلاد على «التفكير المعمق في جعل أقاليمنا الجنوبية نموذجا للجهوية المتقدمة»
3 – وعند تنصيب اللجنة الاستشارية بشر ملك البلاد بانبثاق» دينامية جديدة للإصلاح المؤسساتي العميق»، ودعا إلى إشراك كل القوى الحية في بلورة الجهوية المتقدمة..
4 – في خطاب غشت 2010، حدد الغاية المثلى في إعطاء دفعة قوية لنموذجنا التنموي..
5 – في خطاب اكتوبر 2016، بمناسبة افتتاح البرلمان، اعتبر خطاب الملك أن الجهوية المتقدمة أصبحت واقعا ملموسا، وهي «حجر الزاوية الذي يجب أن ترتكز عليه الإدارة، في تقريب المواطن من الخدمات والمرافق، ومن مركز القرار».
وشدد في نفس السياق، «على ضرورة بلورة وإخراج ميثاق متقدم للاتمركز الإداري، يستجيب لمتطلبات المرحلة».
6 – جاء خطاب اكتوبر الماضي أقوى من حيث ملحاحية المرور الى سرعة اقصى إذ أكد ملك البلاد أن الجهوية ليست مجرد قوانين ومساطر إدارية، وإنما هي تغيير عميق في هياكل الدولة، ومقاربة عملية في الحكامة الترابية.
وهي أنجع الطرق لمعالجة المشاكل المحلية، والاستجابة لمطالب سكان المنطقة، لما تقوم عليه من إصغاء للمواطنين، وإشراكهم في اتخاذ القرار، لا سيما من خلال ممثليهم في المجالس المنتخبة.
وإدراكا منا بأنه ليس هناك حلولا جاهزة، لكل المشاكل المطروحة في مختلف المناطق، فإننا نشدد على ضرورة ملاءمة السياسات العمومية، لتستجيب لانشغالات المواطنين حسب حاجيات وخصوصيات كل منطقة.
ولإضفاء المزيد من النجاعة على تدبير الشأن العام المحلي نلح على ضرورة نقل الكفاءات البشرية المؤهلة والموارد المالية الكافية للجهات، بموازاة مع نقل الاختصاصات.
لذا نوجه الحكومة لوضع جدول زمني مضبوط لاستكمال تفعيل الجهوية المتقدمة»…
الكرة الآن في ملعب الحكومة!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 17/03/2018