جواز التلقيح: السلامة الصحية، والسلامة الدستورية

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

أصبح الجميع يعرف بالذات معنى «جواز التلقيح» ‬كوثيقة أقرتها الحكومة للتنقل وولوج الإدارات العمومية وشبه العمومية والخاصة،‮ ‬والمؤسسات الفندقية والسياحية والمطاعم والمقاهي‮ ‬والفضاءات المغلقة والمحلات التجارية وقاعات الرياضة والحمامات‮.‬..
وتعد الخطوة الحكومية ثالث إجراء اتخذته البلاد بعد الحجر الصحي وإغلاق الأجواء في ذروة انتشار الوباء.
وكان العنوان الأكبر، والمسلم به، هو السلامة الصحية…
ولهذه السلامة مبررات معقولة لا يمكن القفز عنها، بل هي ثابت حقيقي وغير مفتعل…
وقد كتبنا، منذ بداية الإجراءات الاحترازية، أن الحياة تستوجب ذلك، وأن الحرية أحيانا قد تعطي مكانها للمسؤولية لتعبر عن شكل الحياة الذي يستمر بحفظ الصحة.
كما تآلف المغاربة منذ سنة ونصف مع كل تدبير يجعل من تقليص الحرية شيئا عاديا، وقبلوا بتعليق حرياتهم الأساسية بدون أن يعاندوا، إلا في حالات نادرة نابعة من منازعة النظام شرعية القرار، خصوصا في حالات الصلاة.
غير أن الذي يطرح هنا بشكل واضح هو – على عكس القرارات السابقة – ذلك التفاعل المتباين الذي أبداه المغاربة، هيئات وأفرادا، مع إقرار جواز التلقيح،
وطرحت في ذلك أسئلة لا بد من طرحها…
وجوهر هذه الأسئلة سؤال السلامة القانونية للإجراء الحكومي الحالي.
وتتعلق بالمسطرة المتبعة في جواز التلقيح، من قبيل: هل الحكومة، وهي تلاحظ انخفاض نسبة التلقيح، كما قيل، كانت مجبرة على اتباع نفس المنهاج الذي كانت مبرراته معقولة عند البداية، أي إصدار القرارات بدون التدقيق في المسطرة الواجب اتباعها؟
ألم يكن أمام الحكومة، وقد تجاوزت البلاد المنحنى التصاعدي للجائحة، التفكير بشكل مختلف عن تفكيرها أثناءه، حالما ثبت أن المنحنى التنازلي في عدد الإصابات والوفيات والحالات الحرجة هو القائم الآن؟
بعبارة أخرى هل المنطق المؤسساتي نفسه يبقى سائدا عن الدخول إلى حالة الاستثناء وعند الخروج منها؟
كيف تجمع الحكومة في بند قانوني واحد ومنطق دستوري واحد بين اختيارية التلقيح وإلزامية الجواز، إذا لم تغير هي نفسها من المنطق المتوخى في القرارات الأولى وفي القرارات الأخيرة…
لقد فرضت الحكومة تلقيحا إجباريا، بأثر رجعي عبر إجبارية الجواز بدون أن تقول بأنها تفرض تلقيحا إجباريا…
والواضح أن فرضه بطريقة غير مباشرة سيكون معقدا أكثر من فرضه بطريقة مباشرة في ما يبدو.. عند التطبيق، في الإدارات والمؤسسات والفضاءات العامة .. إلخ.
ليس الحل في وضع تراتبية أخلاقية وقانونية بين السلامة الصحية والسلامة الدستورية، بل الأجدى هو أن يتم تلازمهما في خدمة المواطن وفي خدمة النجاعة عند التطبيق.
وكان من الأجدى، في هذه الحالة، أن تمر الحكومة وهي تشرع في هذا الباب عبر البرلمان، الذي تأسس هو نفسه في ظروف الجائحة، وكان هو ذاته ثمرة لسياسة جريئة حافظت على المنهجية الديموقراطية والانتظام الدستوري في إجراء الانتخابات؟
وقد كان من المناسب أن تعطي الحكومة، من باب توازي الإشكال المعروف عند أهل القانون، اعتبارا لهذه المؤسسة، وترفع من القوة المؤسساتية للبرلمان في حالة مستجدة قانونا؟
لقد كان أمامها فرصة لكي تكون أكثر احتراما للجو الجديد الذي انبثقت منه أغلبيتها. ولنا في التجربة الفرنسية، مع وجود الفارق طبعا، حالة للدرس!
فقد وافق المجلس الدستوري الفرنسي على قرار «جواز التلقيح» بعد أن صادق عليه البرلمان، بمبررات الضرورة القصوى للعودة إلى الحالة السياسية الطبيعية.
وبذلك، بعد البرلمان والمجلس لدستوري اتضح أن تطبيق الجواز جاء في احترام القواعد الدستورية للتشريع.
وقد نبه المجلس الدستوري في ديباجة قراره إلى «أنه لم يقبل بهذا الوضع ويسلم به، بحبور وسرور دستوريين! بل اعتبره الحد الأدنى الذي لا بد منه لكي تعود الحياة إلى سيرتها الأولى.»…
وكما حدث في البداية، فإن الحريات دوما على المحك، حتى صار جواز التلقيح، أمام ما سبق، أقل ضررا…
وكان لافتا أن المجلس الدستوري الفرنسي اعتبر القرار، بالرغم من كل حيثيات التسليم به، «مسا بالحرية في التنقل.»…
ولعل المستند الدستوري الأخلاقي، في الحكم بجواز الجواز، هو أن «الصحة هنا، غاية بقيمة دستورية .« !
وهو ما يمكن لنا أيضا أن نمتح منه، بمقتضي الفصل 31 من دستور 2011. والذي ينص على أن «تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية، والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة.».
والسياق الحالي في بلادنا هو سياق الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، بل إن ملك البلاد في خطاب البرلمان قد جعل من هذه الوظيفة أولوية الأولويات للحكومة…
فما كان يضرها لو أنها حمت السلامة الصحية بالسلامة القانونية والدستورية؟

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 22/10/2021