جيش مدجج بأعتى الأسلحة، وبالعالم.. يقتل شعبا بكامله على الهواء مباشرة!

عبد الحميد جماهري

==
لو كان هذا البحر دما لي،
لنفد البحر
قبل أن ينفد لونه الأحمر القاني..!
==
مات الشهيد وهو يركض، بدون كيس الدقيق الموعود؟
والعالم يتحدث عن هدنة، تنفست الحرب ..الشهداء!، كما يتنفس آخرون هواء يليق بالاستراحة وعدد التقتيل..!
ها هو العالم، من جديد، يأخذ بعضه بعضا ليكلم بعضه حيث لا يسمع الموتى ما يدور من حديث.!
في قاعات الحكم، في ردهات المنتديات وفي مكاتب التكييف القانوني للجريمة..
وها هي العواصم بعد أن ضبطت ساعتها على مواعيد مجزرة بالمباشر الحي تتكرر كل يوم في نفس الموعد، العواصم التي تعرف القتلى وتعرف القاتلين، تجلس مسمرة أمام القنوات والشاشات الصغيرة والكبيرة لترى على الهواء الطلق إبادة شعب لم تعد الأسطورة تسعفه لا في الألم ولا في النحيب..
وها هي النخب النجيبة، تتساءل بغير قليل من العجرفة والفقر الأخلاقي: ترى كم نصيب الذكاء الاصطناعي من عدد الذين سقطوا في دوار النابلسي. وكم حصة الذكاء الحربي للعدو في تجديد امتحان القتل العتيق منذ هابيل؟
ها هم سادة العالم يضعون في الثلاجة بيانات التنديد بترتيب حسب مدة الصلاحية، قابلة للنشر في الوقت المناسب: باردة ، بلغة صقيلة غطاها الثلج الاصطناعي والكثير من الأسلوبية الخاصة بديبلوماسية الجنائز..
وأنت
بصراخ تربَّى ترابا ملء الفم،
بقلب وقد صار كيس دقيق
وعاطفة مثل علبة حليب.
بعينين يملؤهما ذباب الموت الأزرق
ونشيج يجمع الأرض من أطرافها، مثل صحراء تحشرك الحيرة في معادلة لم يسبقك إليها شعب آخر:
هل نحزن لأنهم قتلوا برصاص جنود يرون الأشجار جيش العدو؟
أم نحزن لأنهم قتلوا وهم يركضون لأجل حفنة دقيق، تحت مطر من رصاص؟
أبكي لأنهم استشهدوا في غفلة من الحرب، بالقرب من كسرة خبز ملغم وحقول القمح الملغمة؟
فأْووا إلى الموت يهيئ لكم مرفقا من ذلة الجوع والتهجير والاستيطان

هي ليست حربا: هي حفلة تقتيل ماجنة، يقف فيها الشعب الفلسطيني في غزة وضواحيها أمام جيش مدجج بأعتى الأسلحة ومدجج … بالعالم!
من حسن حظ الشهداء الفلسطينيين أنهم طلعوا من الانتماء إلى الشعب العربي كما تطلع الشعرة من العجين…
من رحمة المأساة بهم أنها حررتهم ولم يعد شعبهم ينتظر شيئا من العرب، الذين لا يحسنون »سوى الخطابة والفرار« !
شعب صار رمز الإنسانية منذ بداية الخلق إلى آخر مراحل الجنون، يعاقب لأنه كان ضحية من كانوا ضحية الجبروت في العالم نفسه، والعالم الغربي تحديدا.
كل حبة قمح كمين.
كل قطرة حليب جحيم.
كل رغيف استدراج سمك القرش إلى الدم.
والعالم ذهب ليرتاح..كان متعبا من كثرة الثرثرة حول مستقبل الأرض، التي يطاردها الهواء الساخن، والغاز و أوكسيد الكاربون… وثقب بحجم الكف في طبقة الأوزون:
العالم متعبا كثيرا، إلى درجة أنه لم يعد واردا علي .. النحيب لتقتيل مائة فلسطيني في .. تدافع واحد للرصاص على جثثهم!
لعل العالم لا يغفر للضحايا الفلسطينيين أنهم سرقوا من ضحايا «الهولوكست» ذاكرة الجريمة الفظيعة،
وأنهم ماتوا ككل الضحايا في المحرقات وزادوا النقل المباشر!
وحين يعتاد العالم المجزرة، والعادة عدو القتلى، يعود القاتل إلى بداية الجريمة ليحيي التراجيديا، ويبتسم ساخرا: لقد قتلوا بعضهم في الزحام بسبب الجوع!
وكل هذه المأساة ما هي….إلا رحلة تيه وجوع يدوس فيها الفلسطينيون بعضهم البعض، والمشفق أنهم، يقول القاتل، أجبروا على قتل بعضهم البعض بسبب الجوع ..
أما الرصاص فقد كان مجرد تنبيه إلى الخوف لكي لا يقترب من الجنود..
هكذا يضيف المحتل القاتل صفة السقوط إلى نعوت الوحشية الأخرى..!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 02/03/2024