جيل z: هل من الضروري تأطيرهم؟ 2/2

عبد الحميد جماهري
ماذا لو كان عليهم، هم أن يؤطرونا؟
أُقرّ منذ البداية أن نسبة المزاح في هذا السؤال لا تتجاوز 50%، والباقي يجب أن نعالجه بجدّ.
لا شك أن السؤال الذي يستوجب التحليل ينطلق من بداهة مؤسساتية، وهي:
ألا تقرأ الحكومة كل التقارير، ومنها التقرير الأخير لوسيط المملكة الذي يتحدث عن تحولات الاحتجاج، من الاحتجاج المرفقي إلى الاحتجاج الاجتماعي ومساءلة البرنامج الاجتماعي، وتقرير المجلس الاجتماعي والمندوبية السامية للتخطيط وغيرها من الكتابات عن طبيعة الاحتجاجات التي ترافقنا؟
السؤال الآخر: عندما يرتفع الصوت بالمطالبة بالصحة والتعليم ومحاربة الفساد مقابل المونديال، ألا تطرح الجهات الواقفة على التدبير القلق الكامن فيه، من حيث وضع الدولة الاجتماعية في مقابل المونديال، مهما كانت المعادلة تقريبية ولا تخلو من ظلال؟
لماذا لا تعود الجهات المسؤولة إلى ما وقع في الحراك أو يتم تعميمه اليوم، من منظور تعميم متلازمة وأعراض (ساندروم) «منارة الحسيمة» ؟
كل هذه الأسئلة يُراد أحيانا التغافل عنها بسؤال مفرط في الهروب: أين التأطير؟؟؟
هناك نزوع كبير نحو الدعوة إلى «التأطير الإجباري» لجيل الغضب الجديد، كما كان الأمر بالنسبة للغضب الذي سبقه منذ 14 سنة.
دعوة تتخذ شكلين على الأقل: الدعوة إلى تحريض الهيئات القائمة على فتح قنوات استقطاب مع الغاضبين والمحتجين، وهي دعوة لا تفترض بأنهم يعرفون مشاكلهم ويعرفون حلولها فقط، بل تفترض بأنهم ناقصو حس سياسي وناقصو مسؤولية.
الحقيقة أن القطائع التي قامت في السياسة كان يأتي بها جيل غير الجيل الذي سبقه بالتأطير. ولهذا كان الشهداء في فهم الشباب الغاضب أفضل من غيرهم. عمر بنجلون قال إن الشباب يحب الوضوح. وكفى.
أمّا في التباس الواقع الحالي فنحن أبعد من ذلك في السياسة العمومية.
هنا شكل آخر للتأطير: هو الدعوة إلى إفراز متحدثين باسمهم. وهم لا يطلبون ذلك، ولا يطلبون تأطيرا شعبيا، ولا يطلبون عالما بلا سياسة. بل لهم فهم جادّ صار يفصل بين الالتزام السياسي وبين الانتخابات. أصبحنا نرى جيلا يفضل الالتزام، أي الدفاع عن قضايا الناس والمجتمع بدون تعبير سياسي.
الشكل الآخر هو أن الدعوة إلى إفراز متحدثين غير واردة. فهم لا يريدون بالمطلق أن يكونوا في كرسي التفاوض. إنهم يريدون من أصحاب المسؤولية أن يتفاوضوا مع الوطن.
يمكن أن نرى في ذلك «متلازمة المنارة في الحسيمة»، التي تسببت في الزلزال السياسي، بدعوة من ملك البلاد.
هناك مستشفيات موجودة على الورق منذ أربع سنوات وأخرى منذ سنتين، ولم يتم فيها أي مجهود للإنجاز في وقتها. من حقهم أن يسألوا: لماذا ننجز ملعباً في 14 شهرا ونصبر على مستشفى للنساء؟
كيف ذلك؟
بالالتزام بما وُعِد به، بتطبيق العقد الذي بينه وبين الوطن، بالإنصاف في خدمة الناس. لسان حالهم يقول: أنتم تعرفون بأننا في حاجة إلى مستشفى وإلى مدرسة ونكره الفساد. عليكم أن تقوموا بذلك ما دمتم تعلنون نفس المبادئ.
التفاوض هنا يعني تنفيذ العقد المشترك، وليس توزيع الكراسي والمقاعد.
لماذا تريدوننا أن نؤطرهم؟
أولاً: أية أحزاب معنية؟ أنتم، بوسائلكم وصناديقكم وأموالكم؟ أم نحن؟
ولماذا؟ هل نؤطرهم لنذهب بهم إلى ساحة للتنافس السياسي والنقابي، تكون الكلمة فيها للقوة والسلطة والتغوّل والمال؟
لماذا تريدون من الأحزاب أن تؤطرهم؟
أولا: أية أحزاب معنية؟ ليسهل إقناعهم بأنكم لستم الأقوى والأصلح بقوة المال والنفوذ والفساد؟
وماذا لو كان العكس هو الصحيح؟
هل نؤطرهم تأطير البستاني، حامل منجله للحشائش الطبيعية المتمردة؟
إن المشكلة تكمن في التأطير على قواعد تستعيد المفهوم الأخلاقي الجدي، أي ما يجعل الفاعل السياسي فاعلا أخلاقيا يحترم وعوده وينفذ برنامجه ويتنافس بأريحية وشرف، ويبتعد عن الشبهات التدميرية.
هذه العودة إلى النفس الأخلاقي، التي استشعرناها في خطاب أعالي الدولة، هي المعيار الذي يُعقَد عليه الرهان.
أي أن يعملوا على إخراجنا من الطمأنينة التي نعيش فيها والسلم السياسي الرخو، المبني على توزيع «النبالة» الجديدة.
أخيرا ….إن أنجع ما يجب الالتزام به من طرف المجتمع السياسي هو التأطير الدستوري للاحتجاج.
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 30/09/2025