حرب «البايجر» الأولى!

عبد الحميد جماهري
عادت إليَّ قصة المهندس يحيى عبد اللطيف عيّاش الملقب بالمهندس، وأنا أستمع لزعيم حزب الله حسن نصر الله يتحدث عن تفجيرات “البايجر”، التي أودت بعشرات الأطر من المنظمة الشيعية. والكثير من أهل لبنان ممن قادتهم القناعات الدينية أو الإيديولوجية أو التوزيع الجغرافي الطائفي اللبناني إلى أن يصيروا الحاضنة الشعبية ( أو البيئة بلغة حسن نصر الله) التي تحتضن الميليشيات الشيعية.
تذكرت القائد الحمساوي الثلاثيني وقصة اغتياله في 1996، والتي مرت عليها قرابة ثلاثين سنة!
عياش مهندس متفجرات، ومهندس كهربائي، واحد من أبرز قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة (حماس) حتى اغتياله، بتاريخ 5 يناير 1996، باستخدام عبوة ناسفة زرعت في هاتف نقال كان يستخدمه أحياناً!!.
القصة غنية بالمعطيات التي تجعل من العملية الحديثة، عملية توسيع الأسلوب والارتقاء به، من عملية لإنسان واحد إلى عملية لتنظيم بكامله!
هي الأولى من نوعها، بالنسبة للقائد القسامي، عندما مست فردا واحدا، وهي الأولى من نوعها أيضا في التجريب الجماعي عندما استهدفت 4 آلاف شخص، بحسب الأرقام التي قدمها حسن نصر الله في حديثه أول أمس .
يحيى عياش كان رئيس الوزراء الإسرائيلي المغتال إسحاق رابين، قد وضع ملف تصفيته» على رأس أولويات حكومته السياسية والأمنية، وتمت العملية عندما وضع جهاز “الشاباك” مادة متفجرة ( 50غراما ) في تليفون محمول أخذه من صديق له يسمى أسامة، وهو بدوره أخذ التليفون من خاله. وكان عياش يأخذ التليفون من صديقه ويعيده إليه. صبيحة اغتياله كان ينتظر مكالمة من والده، وكان الخط المنزلي مقطوعا فاتصل والده بالتليفون المحمول .. فانفجر الجهاز، واتضح بعد تفجيره عن بعد، أن ذلك تم عن طريق طائرة كانت تحلق في نفس الوقت، فتناثرت أشلاء الشهيد عياش بعدما قطعت رقبته وتمزق نصف وجهه الأيمن …
المشاهد نفسها تتكرر الآن، عند النظر إلى صور العملية التي استهدفت كل ولايات التنظيم الشيعي، في العديد من أقسام النشاط التنظيمي والعسكري والمدني..
وقد وضع جهاز المخابرات خطة تفصيلية لاغتيال المهندس، تحت إشراف مباشر من رئيسه، وتم توظيف خبراء وفنيين قاموا بتركيب بطارية خاصة صنعها القسم الفني بالموساد .. والباقي معروف!
الواضح أن التقنية نفسها تم تنفيذها على مستوى أوسع، وبأهداف أكبر.. وباختراقات أفقية وعمودية لم تقتصر على محيط المعنيين وأسرهم وأصدقائهم، بل تعدته إلى دول وتكتلات تصنيعية وتجارية دولية!
في الحرب الدائرة اليوم، صارت التكنولوجيا المتطورة بمُعامِل أكبر، وحسم في النتيجة. ولا شك أننا نشاهد فصول تحول جذري في المواجهات التي تتم وستتم بين الدول، وإن كانت تجاربه الأولى قد تمت في عراق صدام حسين.
وهو ما ذكرني بما كان قد صرح به الراحل طارق عزيز، نائب رئيس مجلس الوزراء، عضو مجلس قيادة الثورة ووزير الخارجية في نظام صدام حسين بعد حرب العراق الأولى . كان قد زار المغرب والتقى العديد من القادة السياسيين، على هامش لقاء له مع الملك الراحل الحسن الثاني. ويومها أسر إلى القيادة الوطنية التي التقاها، ومنهم قيادة الاتحاد »”لقد كنا نحارب التكنولوجيا«” !
هذا الجانب أصبح موجعا، ولم يعد فعالا فقط في الساحات المعروفة للحروب، حيث الطائرات والمسيرات والمدافع والصواريخ الذكية، وما إلى ذلك، بل أصبحت التكنولوجيا المعيشية اليومية، التي تعد جسدَ اليومي بل جزءا من الجسد البشري ..هي ساحة الحرب…!
هامش أخير : لا علاقة له بما سبق! تتعلق بالمتعاملين الدوليين في قصة المشتريات التكنولوجية لحزب الله: بعيدا عن محاولة الفهم الدقيقة، وما ينشر، حقيقة أو خطأ أو تضليلا: هذا الإغراء الانفصالي لدى إيران وحزب الله، مثير في المنطقة وفي التعامل الدولي وفي مناطق أخرى …. كما في شمال إفريقيا.
يذكر الماويون العرب ما قاله مؤسس الصين الشعبية ماو تسي تونغ ذات قرن مضى: :»الغرب خلق إسرائيل من أجل العرب وخلق التايوان من أجل الصين..«. ولا شك، قرأوا هاته المقولة المنسوبة للزعيم» ماو زيدونغ، »كما ينطقها الصينيون، من بين ما قرأوا عن أدبيات الحرب الشعبية الماوية، التي تلقى مبادئها الأولى من الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي.. وتلك قصة أخرى!
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 21/09/2024