حضارة الفرجة، جولة مع فارغاس يوسا… : خدمة الدولة، البيروقراطية والديموقراطية.. 2/2

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

 

لا بد لي من الإقرار أنني وجدت في الجولة مع ماريو فارغاس يوسا، وكتابه «حضارة الفرجة»، مادة غير مسبوقة في مجال ربط خدمة الدولة، البيروقراطية والديموقراطية..
ففي الوقت الحالي الذي صارت فيه الإدارة موضوع حركة مزدوجة، نقد وإصلاح تشخيص ومبادرات من أعلى هرم الدولة، يقدم لنا هذا التلازم بين خدمة الدولة والديموقراطية والإدارة – أو البيروقراطية كما يسميها صاحب رواية «المدينة والكلاب«- زاوية للقراءة لا تخلو من متعة النص ومتعة العقل أيضا..
ونستفيد من فارغاس يوسا أنه، لكي تشتغل الديموقراطية بطريقة جيدة، لا بد أن يكون بمقدورها أن تعول على بيروقراطية كفؤة ونزيهة، مثل تلك التي، في الماضي، صنعت عظمة فرنسا وانجلترا أواليابان، إذا اقتصرنا على هذه الأمثلة الثلاثة فقط….
»فإلى حدود تاريخ قريب نسبيا، كانت خدمة الدولة عملا مشتهى، لأنه عمل جدير بالاحترام والشرف..مع الوعي بالمساهمة في تقدم الوطن.هؤلاء الموظفون،عموما، كانوا يحصلون على أجور مناسبة، ويتمتعون بنوع من الأمن في ما يخص مستقبلهم، وبالرغم من أن الكثيرين منهم كان بإمكانهم أن يربحوا أكثر في المقاولات الخاصة، فقد كانوا يفضلون الخدمة العمومية… لأنهم كانوا يعوضون الفرق بكون العمل الذي يقومون به كان يضمن لهم الاحترام، وبكون مواطنيهم كانوا يعترفون لهم بأهمية الوظيفة التي يؤدونها.. في أيامنا هاته، هذا الأمر يكاد يختفي كليا، إذ أن الموظف محتقر مثل السياسي، والرأي العام عادة ما يرى فيه عنصرا غير ضروري للتقدم، بل عقبة وطفيلية للميزانية! وبطبيعة الحال فإن التضخم البيروقراطي والتزايد غير المسؤول للموظفين مقابل امتيازات سياسية، قد يحول أحيانا الإدارة العمومية إلى متاهة يحول فيه أبسط أمر إلى كابوس للمواطن الذي لا نفوذ له أو الذي لا يريد أو لا يستطيع دفع الرشوة»، غير أنه سيكون من الظلم تعميم هذا الأمر ووضع كل الموظفين في سلة واحدة، لوجود العديد من الذين يقاومون الترهل والتشاؤم ويتحملون بشجاعة متكتمة السير الحسن للديموقراطية..»
هذا المقطع الطويل من كتابه، يبدو تشريحا عميقا، للمنافذ التي يمكن أن يدخل منها الخلل، وفي الوقت ذاته يقبل التعميم على تجارب كثيرة في عالمنا.
الدولة، باعتبارها تسعى إلى الصالح العام تحتاج إلى الإدارة لتحقيق ذلك، والإدارة لا يمكن أن تقوم في جزء كبير منها إلا بالوظيفة العمومية.. وهنا جوهر الفكرة الإصلاحية….
من المؤكد أن الحيوية الحالية، سواء بعد خطاب ملك البلاد التوبيخي في رصد مظاهر الخلل العامة في الإدارة أو من خلال العمل الذي تقوم به وزارة الوظيفة العمومية وتقدمه كأجندة للإصلاح الميداني،لا يمكن أن تأخذ معناها إلا من زاوية إصلاح الدولة، لإصلاح خدمتها، كما يعلمنا الروائي البيروفي أن عمق الإصلاح هنا، كي لا يظل سطحيا أو مجانبا للتاريخ، هو خدمة للديموقراطية. بمعنى آخر، إن إصلاح الإدارة لا بد من أن يتأطر بخدمة الاشتغال الجيد للديموقراطية.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 15/03/2018