حقائق لا بد منها على هامش التصويت الأوروبي

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

صوت البرلمان الأوروبي، أول أمس الخميس، على قرار إدانة المغرب، في قضايا ذات ارتباط بالمسألة الحقوقية، (والبيغاسوس والقطر غيت!) وكان حجم التصويت، كما حجم الغياب، دعوة إلى قراءة وتقييم القرار، بعيدا ـ قريبا من مضامينه.
أول ملاحظة هو أن الديبلوماسية المغربية، ما زالت صامتة الى حد الآن، بالرغم من مرور أزيد من 24 ساعة على التصويت، وليس هناك ما يفيد بأنه «صمت سياسي» أو يفيد بأنه صمت للتدقيق في الرد ..
وأول سؤال بعد ذلك يتبادر إلى الذهن، هو التوقيت الذي جاء فيه القرار:
= من جهة يتصاعد الهجوم على المغرب من أطراف أوروبية متعددة في قضايا نظر وينظر فيها القضاء المغربي، كما أنها تشكل في الأجندة الوطنية موضوعا للتقدير الوطني من طرف المؤسسات الحقوقية الوطنية، صاحبة القرار المستقل وأيضا من طرف القوى السياسية الفاعلة في البلاد، وكافة أطياف التعبير المدني… على سبيل التذكير كانت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان قد دعت في بياناتها¡ لا سيما البيان الصادر عن مؤتمرها الأخير، إلى الإفراج عن معتقلي حراك الريف المتبقين، وجرادة والانتصار إلى مقاربات قضائية سياسية، كما سبق للعشرات من المعتقلين بعقوبات متفاوتة أن استفادوا من العفو الملكي في كل مناسبة من المناسبات …
ومن جهة ثانية: يأتي هذا القرار والمغرب قد صار قِبلة للعديد من المسؤولين الأوروبيين، نذكر منهم، على الأقل، رئيسة المفوضية الأوروبية السيدة أورسولا فان لايدر والممثل السامي في قضايا الديبلوماسية والأمن جوزيف بوريل. ..
وإذا كانت كل معطيات التصويت والمجموعة التي اشتغلت عليه لم تصل بعد إلى كل المعنيين ومنهم الصحافة الوطنية فإن المصادر المغربية سطرت على عدة نقط في ما يخص سياق هذا القرار:
في الشكل ، حضر التصويت 430 نائبا من أصل 705 ،(العدد المتبقي بعد انسحاب بريطانيا جراء بريكست)، وهو ما يعني غياب 275 من بينهم 182 من فريق الحزب الشعبي الأوروبي يشكلون أول فريق في البرلمان (قرابة ربع البرلمان).
وقد كان الغياب موقفا سياسيا، واضحا، برفض الدخول في لعبة التصويت من الأصل..
وفي الشكل دائما، هي المرة الأولى التي يحصل فيها هذا التصويت.. في ربع قرن، بالرغم من أن الاجتهاد لم ينقصه أبدا في مسلسل طويل ، ويكفي أن نذكر بأن البرلمان الأوروبي تناول المغرب في 112 سؤالا منذ بداية الولاية الحالية (منذ 2019) مقابل 18 قرار تعديل في السنة التي ودعناها لوحدها، وبالتالي كانت هناك محاولات متكررة للزج بالبرلمان الأوروبي في الهجوم على المغرب، في سياق تعتبره الديبلوماسية المغربية « تحرشا استراتيجيا متواصلا».
1= التحرك المحموم للعديد من التيارات التي تخص المغرب بحركية مناهضة مستمرة، وهؤلاء يعيدون إلى الأحداث، باستمرار، قضايا تعد من صميم الشؤون الداخلية المغربية، والتعالي على المؤسسات الوطنية الشبيهة والنظيرة (أي برلمان مقابل برلمان وحكومة مقابل حكومة) في ما يشبه الوصاية الحقوقية المتعجرفة!
ولنا أن نتمعن في هذا البعد، حيث تقدر المصادر المغربية المأذونة بأن البرلمان الأوروبي، في واقعه، «لم يعد يجد من قضية تجمع ما هو متفرق فيه، سوى الهجوم على المغرب»، ولعل المغرب صار منذ مدة كبش الفداء المطلوب في مثل هذه القضايا، وغيرها.
2= لن ننسى أن هذا التصويت هو الثاني من حيث طابعه الإشكالي بعد القرار الذي هم الخلاف مع إسبانيا في قضية الهجرة.
وبالرغم من أن هذا الأخير لم تكن له أي إسقاطات على المغرب وأوروبا بل خرج منها المغرب منتصرا، فإن الذي يطرح السؤال هو هذا الثبات المريب على وضع المغرب في قفص الاتهام والتعبئة الكبيرة لفائدة ذلك، كلما تبين أن السياق السياسي يسمح بذلك!
الذين يعرفون البرلمان الأوروبي وقضاياه الداخلية يعرفون التأثيرات المتبادلة بين مكوناته، والضغط المتبادل بين الفرق البرلمانية، كما يعرفون بأن جزءا من النواب لا يجتهد أبدا في معرفة التقدم الحقوقي في المغرب، وما راكمه من دينامية حقوقية حقيقية وفعلية، في النصوص وفي الممارسة… وهكذا يحق للمغرب أن يغضب عندما لا يتم النظر بموضوعية إلى ما قدمه من دلائل على التقدم الحقوقي الذي حصل في العهد الجديد.. ومن حقه أن يغضب لحالة التقت فيها دينامية الشحن والتخويف والراديكالية والعداء للمغرب في توفير شروط إصدار هذا القرار، وما قد يفتح الحق في الشك في حقيقة الإرادة الأوروبية.
هناك بالفعل دينامية كبيرة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، وقد عبر عنها جوزيف بوريل، الذي دعا إلى الرفع من مستوى الحوار السياسي والأمني والرفع من مستوى التعاون التجاري والاستثماري… إلخ، وهو نفس الشيء الذي عبر عنه نائب المفوضية تيميرمان، في موضوع البيئة والانتقال الطاقي والبيئي.
غير أن من حق المغرب أن يتساءل: هل الهدف الذي يحرك البرلمان الأوروبي هو وقف هذه الدينامية وتقليص مداها، ولفائدة من يتم ذلك؟
ونحن لا نعتقد أن ذلك هدفه الأسمى خدمة للقضية الحقوقية..
ومن حق المغرب أن يتساءل عن مدى صدقية التصريحات التي تواترت من طرف المسؤولين الأوربيين، وهل كانت الدبلوماسية المغربية تعرف بأن ذلك سيحدث عندما دعا ناصر بوريطة إلى «ضرورة الدفاع المشترك عن هذه الشراكة».
ولا يمكن التعلل بالفصل بين السلط الأوروبية في هذا الباب: باعتبار أن الحكومة الأوروبية (المفوضية والمجلس) ينبثقان من المؤسسة التشريعية كما هو حال الأمور في كل شيء سياسي في العالم.
ومن حق المغرب أن ينظر مجددا في موقف المفوضة في النقل الأوروبي Adina-Ioana Vălean ادينا يونا فابيان، التي لم تكلف نفسها عناء نفخ بعض الحرارة في جوابها، أول أمس، عن سؤال يهم هذا الموضوع، واكتفت برد بارد ومحتشم كما وصفته مصادر ديبلوماسية..
نحن أمام انفصام سياسي كبير من حق المغرب أن يطرح بخصوصه ما يجب من مواقف..
والواضح أن القرار، بالنسبة للسيادة المغربية، يضع الاتحاد الأوروبي كله رهينة توجهات عدوانية واضحة إن لم نقل « سجن نفسه » في وضعية عداء لأحسن شريك له ..
وبالنظر إلى القرار، سينتظر المغرب ماذا ستفعل رئاسة الاتحاد الأوروبي، التي يطالبها القرار بالتنفيذ وإحالة محتوياته على الطرف المغربي، سيكون هناك امتحان للرئاسة، متمثلة في إسبانيا التي ستتولاها بعد فرنسا..
وربما هذا ما يفسر التصويت المناهض للنواب الاشتراكيين . وقد أقر رئيس الوزراء الإسباني الاشتراكي بيدرو سانشيز بأن النواب الاشتراكيين في البرلمان الأوروبي صوتوا ضد النص¡ وذكرت الصحافة الإسبانية أن 17 من 32 نائبا ÇáÐíä عارضوا النص هم اشتراكيون إسبان.
وقال سانشيز «إنه قرار (…) لا نوافق على بعض عناصره، الأمر الذي دفع النواب الأوروبيين الاشتراكيين الإسبان (…) إلى عدم دعمه‫..‬
والواضح أن هناك رهانات أوروبية – أوروبية من وراء القرار‫…‬
نذكر بأن المغرب حر في قراراته، ولن تثنيه أي قوة عن مواصلة مساره وتحرره، هذا المغرب الذي يزعج، لا بد أن يضع في حسبانه أن الملف الحقوقي، سيعود دوما إلى الواجهة، سواء في الحديث عن قضية الصحراء أو في الحديث عن قضية الحريات الداخلية، وهو الجبهة التي قرر مناهضوه أن تظل مفتوحة تجمع كل المتناقضات، وعليه تدبير ذلك بسيادة وبما يشغل بال مواطنيه من حقوق وحريات وبالمسافة التي لا تجعل الأمر موضع مزايدة أو موضع تلبييس..
هناك تحولات جيوسياسية وأخرى سيادية لا يمكن أن تهضمها القوى التي نعرف انزعاجها من المغرب، هو لم يعد يقرأ التاريخ فقط ولا يقتصر على تفسيره، بل صار يكتبه ويصنعه باستقلالية قوية.. وهو الأهم، وفي صميمها يعالج قضاياه العالقة القديم منها والقادم.. ومن المحقق أن القوى الوطنية الداخلية تدرك طبيعة هاته القضايا وتدرك الخادع منها والحقيقي¡ كما تدرك أن جزءا من أوروبا الذي طالبه المغرب بالخروج من التباسات الموقف الرمادي ، يسعى إلى محاصرته ووضعه في وضعية دفاع، عوض حالة الهجوم التي بادر بها منذ ثلاث سنوات…
من واجبنا تقوية دفاعنا وهجومنا والمرافعة من أجل الإقناع ووضع شركائنا الكبار في حقيقة الوضع، مع احترام الشراكة الديموقراطية التي تربط بين الطرفين، وكي لا تكون قرارات البرلمان الأوروبي حالة تدخل واضحة تعطل الآليات المشتركة بين الاتحاد والمغرب، وبالتالي فقد تم اختيار الطريقة الأكثر استفزازا في التعامل الديبلوماسي وهو الإدانة..
لقد تم تعطيل الآليات القانونية كاتفاقية الشراكة، والمواثيق السياسية التي تضبط العلاقة بين الطرفين منذ وثيقة الوضع المتقدم 2008إلى الشراكة الخضراء في 2022..
لقد وجه البرلمان الأوروبي ضربة لمصداقية التعامل الأوروبي: أي دولة يمكنها أن تراهن على الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بعد أن تم طعن الشريك النموذجي المغرب؟
والحال أن القرار نفسه يحيل السلطات المغربية على (الوفاء بالتزاماتها الدولية بما يتماشي مع الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي»..
الخلط بين الوضع الحقوقي، الذريعة ومحاولة إفساد الأعضاء المنتخبين قي البرلمان الأوروبي!!! معضلة القرار أنه يعبر عن «قلق يساوره إزاء الادعاءات « ، فما معنا بناء موقف على… ادعاءات؟
دعوة الاتحاد الأوروبي لا تدخل في الوضعية الحقوقية! وهي عودة إلى الربط بين الدعم الأوروبي وحقوق الإنسان¡ وإلغاء ربع قرن من التوتر، عرف أوجه في مرحلة الإنصاف والمصالحة، التي تعد فريدة في التاريخ المعاصر حتى بالنظر إلى تجارب أوروبية نفسها (إسبانيا).
خلاصة القول إن الشك سيرخي بظلاله على العلاقة الأوروبية المغربية، لا من زاوية الخوف على المغرب، بقدر ما قد يدفع نحو ضرورة تدقيق العلاقة.
إن المغرب يدرك بأن القضية الحقوقية، إذا حسنت النوايا موضوع دفوعات ودفوعات مضادة، وستظل كذلك، لكن الذي لا يمكن أن نغفله هو محاولة تحويلها إلى «جبهة بديلة»، كما قيل من طرف مناصرين للانفصال، عن الجبهة الديبلوماسية والعسكرية في قضية الوحدة الترابية، لكي يتسنى الحديث من بعد عن انتهاكات جسيمة تبرر دفع الأمم المتحدة إلى تكرار تجربة تيمور الشرقية.
المغرب، وهو يسجل التهافت البرلماني الأوروبي ليس عليه أن يتخوف من طرح القضية الحقوقية، لأنه يثق في إرادته وإرادة عاهله، بل يعتبر بأن أي تقدم يحصل في أي جبهة كانت في خدمة القضية الوطنية أهلا به¡ ولن يكون ذلك أبدا بسبب العوامل الخارجية، بل إن تبييئ الإصلاح هو إرادة سيادية داخلية اختارها المغرب بوعي كبير وعميق.. ونحن ندرك بأن الكثير من القرارات الشبيهة بقرار الخميس لم تتجاوز المدة الزمنية التي صدرت فيها!
ماذا بعد؟
هذا موضوع للكتابة غدا..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 21/01/2023